قرى آشورية مشاريع حكم ذاتي مواقع الكترونية رياضة كتب فنون الأعلام الاشوريون فولكلور آشوري التاريخ الاشوري مقابلات وثائق مقالات الصفحة الرئيسية

 

 

 

برديصن   ܒܪ ܕܝܨܢ

 

تركت عائلة برديصن أربل عاصمة حدياب قبل ولادة برديصن وتوجهت إلى أورهي في عهد الملك مَعَنّ الثامن (139-163). ورزقا أبوه نوخاما وأمه نخشيرام ولداً في سنة (154) بالقرب من نهر ديصن في أورهي، وقيل لذلك سمته أمه «برديصن» أي ابن ديصن.(1) واسم برديصان يتكون من كلمتين: «بَرْ ܒܪ» بالاشورية السُريانية معناها إبن، و«ديصان ܕܝܨܢ» هو نهر يمر بمدينة الرُهَّا من شمالها. وربما جاء إسمه تيمّناً بهذا النهر.

ويبدو أن عائلة برديصن كانت من عوائل حدياب الراقية، لأن برديصن في نشأته تعلم في البلاط الملكي مع أبجر إبن الملك معن ملك أورهي تعليماً راقياً باللغتين الاشورية السُريانية واليونانية. وبقي برديصن مع عائلته في أورهي حتى سنة (163) حين خُلِعَ الملك معن الثامن وإرتقى العرش مكانه الملك وائل.(2)

لأسباب غير معروفة تركت عائلة برديصن أورهي في عهد ملك أورهي وائل، وتوجهت إلى منبج، وأقاموا هناك عند رجل إسمه كودوز. وتتلمذ برديصن على يد الكاهن الأكبر لمعبد منبج، لأن عائلته كانت لا تزال على الديانة الأشورية القديمة. تعلم برديصن العلوم المتصلة بالكواكب والنجوم، وتعلم نظم الشعر الذي ينشد في الطقوس الدينية، ودراسة الفلك والتنجيم. وتعلم الرماية أيضاً، وكان من أمهر الرماة.(3)

عاد برديصن إلى الرها بعد أن تولى رفيقه في الصبا أبجر التاسع عرش مملكة الرها الاشورية سنة (179). وهناك في أورهي اعتنق المسيحية على أيدي «هسبس»(4) الذي كان أسقف الرها في ذلك الحين. ولكنه أراد أن يستفاد من العلوم والمعرفة التي بحوزته في ممارسته للدين المسيحي الجديد.(5)

برديصان أو ابن ديصان ܒܪ ܕܝܨܢ (154-222) ربما كان أول الشعراء المسيحيين الاشوريين. وقيل انه كتب (150) ترتيلة. أدخل عليها إبنه هَرمونيوس الذي كان موسيقياً وشاعراً ألحاناً شجية، وأصبحت شائعة ترتل في كنيسة أورهي لفترة طويلة من الزمن. وبسبب أعمال برديصن احتلت الرُها مركز الصدارة في الأدب الآشوري المسيحي. الشعر والأناشيد المسيحية أحتلت مكانة مرموقة في كنيسة المشرق، وأكثر أهمية مما كان في الكنائس اليونانية واللاتينية المبكرة.(6) برديصن كان لاهوتياً بالإضافة إلى كونه شاعرأ وموسيقياً. يقول عنه يوسيبيوس، بأنه كان: رجلاً ذو قابليات عظيمة وضليع في اللغة الأشورية السُريانية. ألف حوارات، فند فيها آراء وأفكار مرقيون وآخرين الذين يحملون نفس آرائه. هذا بالإضافة إلى عدة أعمال أخرى، التي ترجمت من قبل أصدقائه من السُريانية إلى اليونانية.(7)

رغم أن برديصن كتب ضد (الهرطقات) لكنه إتُّهِم بأنه كان من الهراطقة الغنوصيين الذين تبعوا فالنتينوس. ويقول عنه يوسيبيوس: أن برديصن في بادئ الأمر إنجرف في معتقدات فالنتينوس، إلا أنه تحول كلياً إلى الإيمان الأرثوذكسي القويم «ماسحاً دنس معتقداته القديمة».

سعي زعماء الكنيسة المشرقية مع بداية القرن الثالث الميلادي إلى التصدي لأعمال برديصن التي كان لها تأثيراً كبيراً واضحاً وصداً عميقاً على المؤمنين المسيحين،(8) باشر العديد من العلماء المسيحيين أمثال مار أپرم ملپانا اثورايا (الملفان مار أفرام) في الطعن ببرديصن وتعاليمه، واتهموه بأنه يؤمن بالقدر وبوجود آلهة كثيرة وبعدم قيامة الأجساد وغير ذلك. ولكن من خلال كتابه شرائع البلدان نرى بأن برديصن يقر بإله واحد خالق جميع الأشياء، ويؤمن بالمسـيح، وينكر القدر، ويقول برديصن بالحرية والدينونة الأخيرة.(9) ولكن مار أپرم الملبان الأشوري قام بالإحتفاظ بنتاجات برديصن، بألحانه وإيقاعاته وترانيمه، ولكن مع تغيير وإضافة كلمات جديدة تخص العقيدة الأورثوذكسية(10) التي بدأت تتشكل في منتصف القرن الرابع.

 ألف برديصن كتباً كثيرة لم يبقى منها سوى كتابه في القدر أو في شرائع البلدان. وتُرْجِمَ هذا الكتاب إلى لغات عديدة، منها الإنكليرية والألمانية والفرنسية.(11)

قيل أن برديصن في أواخر حياته رحل كمبشر إلى جبال أرمينيا.(12)  ولكن أدَّيْ شير يفيدنا بأنه استقر هناك في أورهي حتى توفى في سنة (202) وهو في الثامنة والستين من عمره.(13)

لم تلعب مدينة الرها أي دور رئيسي في تاريخ الأدب السُرياني حتى أواخر القرن الثاني، وأن حدياب هي التي قامت بالعبء كله في تلك الفترة. ومع ظهور برديصن بدأت الرها تأخذ مكانها في الأدب السُرياني وبدأ شأن حدياب يتضائل شيئاً فشيئاً.(14) فقد استعاد برديصن مكانه في البلاط الملكي، وأصبح رئيساً لمدرسة الرها، ويذكر بعض اليونانيون أنهم زاروا هذه المدرسة ورأوا هذا الشاب الذي كان يمثل الثقافة المسيحية خير تمثيل.(15)

أورد الدكتور مراد كامل ملخصًا لقصيدة «أنشودة الروح» أو «أنشودة ابن الملك» التي بقيت لنا من شعر برديصان، جاءت ترجمتها:

«ابن الملك يقص عن نفسه: لما كنت غلامًا كنت أعيش مترفًا في منزل والدي، وأراد والدي أن أسافر من بلدي في الشرق إلى مصر. فحملوني بأنواع من الهدايا والملابس المختلفة فضلاً عن الذهب والفضة، ولكنهم أخذوا مني الحلة الثمينة والمعطف الثمين، وقد عاهدتهم ألا أنسى إذا ذهبت إلى مصر لاستحضار اللؤلؤة من الحية السامة التي توجد في البحر،  أن ألبس الحلة والمعطف عند عودتي لأرث - مع أخي - مُلك أبي.

 تركت بلاد الشرق متحملاً متاعب الطريق صوب مصر. وكنت وحيدًا غريبًا، ولكني رأيت أحد مواطنيَ من النبلاء فصاحبته وحذرته من المصريين. ثم لبست لباس أهل مصر حتى لا يداخلهم الشك فيما أريده من الاستيلاء على اللؤلؤة، ولكنهم لاحظوا من أشياء كثيرة أني غريب عنهم، فنصبوا لي الشراك، ولكني أكلت من أكلهم، ونسيت أصلي الشريف، وقابلت ملكهم، ونسيت اللؤلؤة التي جئت من أجلها. وما كدت آكل من طعامهم حتى ذهبت في سبات عميق.

 وقد شعر والدي بما أصابني فجمع الملوك ورؤساء القبائل وأصحاب المراتب، وقرروا أن ينقذوني من مصر، وكتبوا إليّ خطابًا موقعًا عليه من الجميع يطلبون إليّ فيه أن استيقظ، وأن أتذكر أني ابن ملك، وأن أتذكر ما يلحقني من العار في العبودية، وأن أذكر اللؤلؤة التي حضرت من أجلها، وألا أنسى أن ألبس معطفي وحلتي حتى يُكتب أسمي في سجل الأبطال، وأحكم البلاد مع أخي. وقد وصلتني الرسالة في شكل نسر، فأيقظني صوتها، وعرفتها وقبلتها، وتذكرت اللؤلؤة التي جئت إلى مصر من أجلها، فذهبت إلى الحية وسحرتها حتى نامت، وسرقت اللؤلؤة. وتهيأت للسفر إلى منزل والدي. وتوجهت نحو الشرق، فوجدت الرسالة التي أيقظتني أمامي في الطريق، وكما أيقظني صوتها أضاء لي تقاطيع جسمها. وقد فرش طريقي بالمغرة (خيوط الذهب) على حرير الصين. وقادتني بسرعة إلى بلادي. فأرسل إليّ والدي الحلة والمعطف فلبستهما، وكنت قد نسيت شكلهما، وقابلت والدي مطاطئ الرأس في حلة مرصعة مطرزة، عليها صورة الملك، شاعرًا بأني كبرت بأعمالي، وصعدت إلى باب السلام، باب التضرع.»(16)

line

(1) كامل، مراد. تاريخ الأدب السرياني. دار الثقافة للنشر والتوزيع . القاهرة 1972. ص. 80

(2) نفس المصدر، ص. 80

(3) نفس المصدر، ص. 81

(4) ولكن ميخائيل رابو قال أنه اعتنق المسيحية على يد «إيشتاسب» أسقف أورهي.( كلدو واثور. ج2. ص43) لأن إيشتاسب الثاني كان أسقف كنيسة أورهي في تلك الفترة.  

(5) كامل، مراد. تاريخ الأدب السرياني. ص. 81

(6) Aytoun, Robert Alexander. City Centres of Early Christianity. London: Hodder and Stoughton, 1915. P. 141
(7) Ibid. P. 141

(8) Jenkins, Philip. The Lost History of Christianity: The Thousand-year Golden Age of the Church in the Middle East, Africa, and Asia- and How It Died. New York: HarperOne, 2008. P. 48

(9) المطران أدّي شير. تاريخ كلدو وآثور. ج2. بيروت: مطبعة الآباء اليسوعيين، 1913. ص.43

(10) Jenkins, Philip. The Lost History of Christianity, 2008. P. 48

(11) المطران أدّي شير. تاريخ كلدو وآثور. ج2. ص. 43

(12) Aytoun, Robert Alexander. City Centres of Early Christianity. P. 142

(13) المطران أدّي شير. تاريخ كلدو وآثور. ج2. ص. 43

(14) كامل، مراد. تاريخ الأدب السرياني. ص. 80

(15) نفس المصدر. ص. 81

(16) كامل، مراد. تاريخ الأدب السرياني. ص. 89

 

 

تغيير: 07.19.2021

 جميع المواضيع تعبر عن آراء كتابها وليست بالضرورة رأي الموسوعة