يوسف شيخالي
25/08/2007
الخطوط والمثلثات وجميع
الأشكال الهندسية عندما تدخل ضمن إطار تخطيطات الدول، لاسيما الدول العظمى
لرسم خطوط السياسة العالمية، قد تلغى خرائط وترسم خرائط جديدة، بمعنى أصح
انه يمكن أن تلغى دولا، تقسم دولا أخرى أو تقام دولا جديدة. والرابح من كل
ذلك هو من يعرف كيف يستغل الظروف لصالح شعبه ووطنه.
مع بداية الحرب الكونية الأولى
عرف شريف مكة الحسين كيف يستغل ظروف الحرب العالمية الأولى. فقد كانت
بريطانيا والدول الحليفة تريد تقسيم منطقة الشرق الأوسط التي كانت لقرون
عديدة تحت السيطرة العثمانية بما يتناسب مع طموحاتها. أرادت أن تستبدل
سيطرة الإسلام التركية، وإعادة بناء صرح الخلافة العربية في الشرق الاوسط
ان امكن تحت قيادة الحسين. وتأسست بذلك دولة العراق بقيادة سنية اعتمدت على
بضع أسر وعشائر سنية ثرية لدى غالبيتها أسلاف تركية...
ارتكب شيعة العراق خطأ جسيما
سنة 1920، بعد ان انقست قياداتهم الدينية والاجتماعية الى معسكرين، معسكر
مؤيد للتفاوض مع المحتلين، والمعسكر الآخر معارض والذي استطاع في النهاية
كسب تاييد المرجعيات الشيعية في قم والنجف، وقاد ثورة العشرين، وبسبها خسر
الشيعة السلطة وعاشوا تحت ظلم واستبداد السلطات العراقية المتعاقبة.
الشيعة في العراق لم يتعلموا
كثيرا من الدروس السابقة، فبعد تحرير العراق من السلطة الغاشمة لصدام
انقسموا مرة أخرى الى معسكرين، معسكر مناهض للاحتلال ومعسكرمعتدل استطاع
التعامل مع الاوضاع الجديدة تحت الاحتلال والاستحواذ على السلطة، ولكنه لا
يعرف ماذا يعمل بهذه السلطة...
خط بروكسل شطر المنطقة
الاشورية الى شطرين، تركي وعراقي وخسر الاشوريون بذلك مناطق الحكم الذاتي
التي كانوا يتمتعون بها ضمن الدولة العثمانية، وخسروا الحياة الحرة الكريمة
كمواطنين اصليين عراقيين، وذبحوا مرتين بعد تأسيس دولة العراق، مرة في سميل
سنة 1933 تحت الحكم الملكي على يد المجرم السفاح بكر صدقي، ومرة في صوريا
تحت حكم صدام المقبور...
خط 36 اعطى الاكراد
منطقة آمنة بعد حرب الكويت عام 1992 التي اثبتت القيادات الكردية خلال
العقد الذي تلى ذلك بانهم اهلاً لكي تكون لهم منطقتهم، واستطاعوا توضيبها
من اجل خدمة شعبهم، لاسيما خلال وبعد الاطاحة بصدام..
والشمال الغني بالنفط
والكبريت بالإضافة الى الجبال التي تجعله منطقة استراتيجية في حال تخلي
امريكا عن تركيا. وايضا من الممكن ان تكون منطقة اصطياف كبيرة.
المثلثان، "المثلث السني"
والمثلث الاشوري" يشكلان الحلقات المفقودة في الصراع على السلطة والنفوذ في
العراق اليوم.
السنة
اليوم يشكلون جزء من المعادلة الإقليمية في الشرق الأوسط بحكم أن السنة هم الأغلبية عربيا
وإسلاميا ويتمتعون بالدعم العربي والإسلامي.
فبعد ان كانوا السنة يتحكمون ويحكمون العراق لمدة ثمانين سنة اصبحوا الآن
بلا سلطة ولا نفوذ، ومقاومتهم للأحتلال اليوم اتوقع ان تشتد لانهم الخاسرون
مهما سيكون حال العراق، مركزيا ديمقراطيا او فيدراليا او
مقسما، ففي دولة ديمقراطية تعددية فهم خاسرون لانهم اقلية، وفي
الفدرالية سيكون هناك صراع مع الاكراد على حقول النفط في كركوك والكبريت في
الموصل، وفي حال التقسيم فهم الخاسر الاكبر كون المنطقة السنية او ما اصبح
معروفا "المثلث السني" فانها منطقة مسحوقة اقتصاديا وجغرافيا بلا كركوك
والموصل، على العكس من المنطقة الجنوبية الشيعية التي تقع
معظم منابع النفط العراقي فيها، وهذه المنطقة لهما أبعادها الاستراتيجية
فموقعها على الممرات المائية وكذلك حدودها مع الدول الخليجية وإيران الغنية
بالاحتياطات النفطية تجعلها المنطقة الأحسن من العراق.
اليوم وفي ظل هذه الفوضى التي
تعم في العراق، على المستوى القريب ليس هنالك مؤشرات تدل على تسوية الامور
العالقة بين الاطراف المتنازعة السنة والشيعة والاكراد بل على العكس فهذه
المشاكل تستفحل وتتعاظم يوما بعد يوم. ولا نتوقع تسويتها على المستوى
البعيد، فالصراع الدائر في منطقة الشرق الاوسط اليوم هو صراع مذهبي شيعي
وسني شئنا ام ابينا، واذا صح القول فانه صراع بين المعسكر الشيعي المتمثل
بإيران وحلفائها وبين المعسكر السني المتمثل بالسعودية ومصر وحلفائهما.
"امريكا وحلفائها" لا يريدون
تأطير الصراع على انه قائم بينهم وبين التيارات الأصولية الإسلامية.
فأمريكا تعدل مواقفها وتغير تكتيكاتها حسب متطلبات المرحلة.. وخير ما يخدم
مصالحها اليوم هو استفحال الصراع المذهبي القائم اليوم بين السنة والشيعة.
في ظل هذا الصراع الدامي في
العراق لا نرى بارقة أمل في تسوية الخلافات والعداءات التي استفحلت وتعاظمت
ويوما بعد يوم أخذت تتجه الى الأسوأ. ولا نرى ان هناك اي امل لنا نحن
الآشوريون والمسيحيون بصورة عامة بالعيش الكريم في العراق، لا في هذه
المرحلة ولا في المرحلة القادمة. ان خير ما يخدم المصلحة الآشورية وقضيتهم
الانسانية هي بإقامة منطقة آمنة لهم في مناطقهم التاريخية في شمال العراق،
المنطقة المعروفة بـ (المثلث الآشوري).
|