يوسف شيخالي
22/10/2007
أجازت لجنة العلاقات الخارجية في
مجلس النواب مشروع القرار الذي يضفي صفة الإبادة الجماعية التي تعرض
لها الأرمن خلال الحرب العالمية الاولى في الامبراطورية العثمانية.
وعلى الرغم من الخلاف الحاصل في السياسة الامريكية حول هذا القرار فقد
اكد ستيني
هوير زعيم الأغلبية الديموقراطية في مجلس النواب أن المجلس سيصوت على
القرار قبل نهاية دورته الحالية. وفي مقابل ذلك، قال جون بوهنر زعيم
الأقلية الجمهورية في مجلس النواب، إن التصديق على مشروع القرار سيضر
بعلاقات الولايات المتحدة مع حليفتها الاستراتيجية تركيا، وردا على ذلك
فقد حذر الجنرال ياشار بايوكانيت رئيس أركان الجيش التركي من تصديق
مجلس النواب على القرار، مشيرا إلى أنه سيلحق ضررا كبيرا بالعلاقات
التركية الأميركية بشكل يصعب إصلاحه، مشددا على أن التعاون العسكري بين
أنقرة وواشنطن لن يبقى على حاله.
لم يأ تي هذا الاقتراح سهلا ولكن
بالجهود المضنية للوبي الارمني الذي ظل طوال 90 سنة يعمل بلا كلل من
اجل اعتراف دولي بهذه المجازر. وهذه المجازر لم ترتكب بحق الارمن فقط
التي راح ضحيتها ما يقارب مليون ونصف المليون ارمني، بل تعداها ليشمل
حوالي نصف مليون آشوري وكذلك مئات الالوف من اليونانيين.
كانت شريحة كبيرة من السياسيين
الاشوريين تعمل على مساعدة الارمن لهذه الغاية ضنا منهم بان المذابح
بحق الاشوريين ستاخذ مكان في هذه القضية. ولكن الأرمن ارادوا ان تكون
هذه القضية علامة فارقة لهم فقط. صحيح ان الارمن بذلوا جهودا مضنية
خلال 90 سنة من اجل الاعتراف الدولي بهذه المجازر التي ارتكبتها تركيا
ولكنهم يغاضون النظر عن ان معظم المذابح حصلت على ايدي الاكراد. لان
الاكراد بصورة عامة في جميع مناطق تواجدهم هم اعداء تركيا، وكما يقول
المثل (عدو عدوي، صديقي)، وفي خضم السياسة الامريكية الجديدة لمعاقبة
تركيا او وضع ضغوط عليها، سيحصل الارمن على دعم وعطف عالمي. وكذلك
فانهم يريدون الاكراد ليكونوا حليفا لهم. لان مناطق التواجد الكردي
ستكون مناطق نزاع مستقبلية ضد تركيا، وستكون ايضا منطقة مفتوحة
للاستثمارات الاجنبية والتي يمكن لارمينيا ان يكون لها حصة كبيرة فيها.
هذه الرؤية الواضحة في الخطاب
القومي الارمني اتجاه تركيا واتجاه الاكراد، يمكن ان تجلب لدولتهم
مكاسب مستقبلية كبيرة. فتركيا الاسلامية سياتي يوم وتتخلى عنها امريكا
وحلفائها الاوربيون، وبوادر ذلك اخذت تتجلى يوما بعد يوم .. كما نوه
رئيس فرنسا ساركوزي بانه لا مكان لتركيا الاسلامية في اوربا المسيحية.
ولكن على النقيض من ذلك فاننا نرى
السياسة الاشورية مرتبكة، والفصائل القومية متصارعة فيما بينها،
والمرجعيات الطائفية والدينية متناحرة. ونرى ان الهوة تتسع وتتعمق بين
الفصائل هذه:
فرئاسة الكنيسة الكلدانية اعلنت
موقفها بصراحة بان الكلدان قومية مميزة ولا تربطها اية روابط
بالاشوريون وراحوا الى ابعد من ذلك، فقد وضع (الحرم) على كل منتمي الى
الكنيسة الكلدانية اذا اعلن انتمائه الى القومية الاشورية، ومن جانب
اخر فرئاسة الكنيسة الكلدانية لا تؤيد اي نوع من الحكم الذاتي على
اعتبار ان اتباع كنيستهم موزعين في جميع انحاء العراق، وقد تقود
المطالبة بالحكم الذاتي ضغينة وحقد الاخرين مما قد يسبب مجازر ضدهم.
وفصيل آخر يطالب بالحكم الذاتي اسوة
بالاكراد في المناطق التاريخية للاشوريين. وهذه مطالبة خجولة لا تتعدى
الندوات والمحاضرات واستغلال وسائل الاعلام في نشر هذا المفهوم. وانصار
هذا الفصيل يشكلون الاكثرية الساحقة، ولكنهم لا يستطيعون توحيد خطابهم
السياسي او حتى الجلوس على طاولة واحدة لرجم الصدأ بين تنظيماتهم...
ومن هذه التنظيمات، مؤتمر عينكاوة، ومؤتمر كاليفورنيا..الخ.
وفصيل يريد حكم ذاتي (ادارة محلية)
في مناطق سهل نينوى فقط وربطها باقليم (كردستان)، ومن هذه احزاب حزب
بيت نهرين، حزب الديمقراطي الاشوري، واحزاب كلدانية حديثة التاسيس
وغيرها.
والفصيل الاخير هي الحركة
الديمقراطية الاشورية (زوعا) التي تلتقي مع الكنيسة الكلدانية في مسألة
الحكم الذاتي وتختلف معها في مسألة التسمية القومية وهي تعتمد التسمية
المركبة، وتعتقد بانها تستطيع توحيد جميع طوائف شعبنا تحت هذه التسمية
المركبة.
في خضم هذه الخلافات والصراع الدامي
احيانا حول مسائل جانبية، وشخصية أحيانا تضيع فرص تقرير المصير لامتنا
الاشورية وقضيتها العادلة.
بعض تنظيمات شعبنا على غرار الموقف
الارمني يردون عداء تركيا والتحالف مع الاكراد. وبعضها لا يكترث لمجازر
تركيا لان معظم المجازر التي حلت بشعبنا كان الاكراد السبب الرئيسي
فيها، لذلك فهم يعادون الاكراد، لاسيما والاكراد اليوم يعيشون على
الارض التاريخية الاشورية. وبعض هذه التنظيمات يعتبر ان مصيرنا مرتبط
ارتباطا وثيقا بالعرب في العراق، من سنة او شيعة. ولكن ينبغي ان تدرك
جميع فصائل شعبنا ان منطقة الشرق الاوسط تمر بمرحلة جديدة، وهي استفحال
المد الاسلامي على اختلاف اتجاهاته، ويمكن ان لا نجد مكان كمسيحيين بين
ظهرانيها في المستقبل.
مهما يكون امر ونظرة هذه التنظيمات
فهي تفتقر الى الايديولوجية القومية، ويفتقر كل فصيل منفرد الى القوة
لفرض مواقفه في المنطقة، ولا يمكن حتى ان يمثل شعبنا منفرداً.
والاشوريون بصورة شاملة لا يملكون ارضا لتكون قاعدتهم للانطلاق على
الخلاف من اخوتنا الارمن الذين بالرغم من كل المجازر التي حلت بهم
لكنهم يحتمون بوطنهم وحكومتهم. فالاشوريون اذن ليس لهم خيارا غير ان
يتحالفوا مع قوى المنطقة والقوى العالمية، ولكن قبل ان يحصل ذلك عليهم
اليوم ان يوحدوا خطابهم القومي والسياسي، ولأجل ذلك على جميع قوى شعبنا
ان يتحلوا بالشفافية والتواضع وقبول الآخر. وبدلاً من حالة الصراع
والتفكك القائم، عليهم اعتماد الحوار القومي والوطني من أجل قيام قيادة
آشورية موحدة يكون بامكانها طرح قضية امتنا على الساحة العراقية
والعالمية، وعدا ذلك فمصيرنا جميعاً سيكون مؤلماً، ان كنا من هذا
الفصيل او ذاك او كنا من هذه الطائفة او تلك.
|