يوسف شيخالي
29 كانون الثاني، 2008
أصحاب الخطاب الديني المعاصر يتحدثون باسم المسيحية، في حين أنهم
يعبرون عن اختياراتهم وطموحاتهم الشخصية، قد تصيب او قد تخطئ. وعلى
شعوبهم ان تتحمل نتيجة اخطائهم.
في حزيران عام 1998 عقدت الجبهة السريانية الثقافية مؤتمرها السنوي
الثاني بعنوان «الاشورية
حضارة ولغة وهوية شعب» في قاعة المؤتمرات التابعة لمستشفى الحايك، في بيروت-
لبنان.
جاءت
هذه الخطوة المباركة بالجهود الحثيثة للدكتور عماد شمعون رئيس الجبهة
السريانية الثقافية انذاك، لتعطي الامل لجميع ابناء امتنا الاشورية
بجميع طوائفهم للوصول الى الامل المنشود بوحدة امتنا...على امل ان
تليها خطوات اخرى في نفس الاتجاه.
بدأ
المؤتمر أعماله برعاية قداسة البطاركة:
·
مار نصر الله بطرس صفير بطريرك الكنيسة
السريانية المارونية
·
مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق
الاشورية
·
المرحوم مار روفائيل بيداويد بطريرك
كنيسة بابل على الكلدان
·
مار زكا عيواص الاول بطريرك الكنيسة
السريانية الارثوذكسية
·
ومار انطوان الثاني حايك بطريرك
الكنيسة السريانية الكاثوليكية
افتتح المؤتمر المطران انطوان العنداري
ممثلا عن البطريرك صفير، ثم القى الدكتور عماد شمعون كلمة
قيمة عرض فيها تاريخ الشعب الاشوري وما تعرض له من تعذيب ومذابح على
مر العصور.
بدأت
الجلسة الاولى بادارة النائب بيار دكاش، والمحاضرون كانوا:
·
المطران انطوان العنداري، مثل قداسة
البطريرك مار نصر الله صفير، محاضرة بعنوان: "الاشوريون والموارنة في
ظل وحدة آشورية".
·
المطران مار نرساي دي باز، مثل قداسة
البطريرك مار دنخا، محاضرة بعنوان: "الكنيسة الشرقية الاشورية
والكنيسة الغربية الكاثوليكية وفاق ووئام".
·
السيد ابرم شبيرا، محاضرة بعنوان:
"الفصل بين الكنيسة والسياسة في المجتمع الاشوري".
وبدأت الجلسة الثانية بادارة المطران الياس طبي، والمحاضرون كانوا:
·
المطران جورج صليبا، حاضر عن:
"الاشوريون والاراميون تاريخ من التجاذبات العسكرية في ظل وحدة
جغرافية حضارية ولغوية".
·
المونسنيور الياس رحال، حاضر عن:
"الجذور الاشورية المشتركة لابناء كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك
ولابناء سائر الكنائس الانطاكية والشرقية".
·
الدكتور سعدي المالح
حاضر عن: "الجذور الاشورية لابناء الكنيسة الكلدانية".
وبدأت الجلسة الثالثة والاخيرة بادارة الدكتور ديمتري بيطار رئيس
الرابطة اللبنانية لطائفة الروم الارثوذكس، والمحاضرون كانوا:
·
السيد سعيد لحدو، من سوريا، حاضر عن:
"الحضارة الاشورية إمبراطورية الالف سنة".
·
والسيد كبريال كورية، من سوريا، حاضر
عن: "الكلدوآشوريين في موطنهم الام وقائع وارقام".
·
والدكتور هرمز ابونا،
من كندا، حاضر عن: "الكلدوآشوريين في دنيا الاغتراب وقائع وارقام".
وفي
الختام القى الدكتور عماد شمعون كلمة شملت توصيات المؤتمر ومنها:
* تأسيس
"اللجنة العليا للدفاع عن حقوق الاشوريين"
* حض مجلس
الامن الدولي على اتخاذ القرار الخاص بالاقليات العرقية المضطهدة،
على غرار القرار الذي اصدره المجلس المذكور بعد تحرير الكويت في شباط
1991 والقاضي بحماية ابناء الشعب الكردي في شمال العراق من تعديات
السلطة العراقية.
* واعلن
عن التحضير لتأسيس قصر المؤتمرات الاشوري في لبنان.
ما
الذي حدث بعد هذه الخطوة التوحيدية الجبارة ؟
...أصبحت الحركة القومية
الاشورية وكنيسة المشرق الاشورية ارض لمعركة، أطرافها من داخل شعبنا
ومن خارجه، ولكل طرف معادي مصالحه ومشاريعه وخططه لزعزعة الاستقرار
فيهما.
وتحت غطاء
المسيحية ادّعت
الكنيسة الكلدانية بزعامة السلطة الزمنية في العراق، خصوصا بعدما
المح البطريرك الكلداني عمانوئيل دلي في خطبه لزعامة هذه السلطة...
وبذلك كانت مواقف
الكنيسة الكلدانية "اللعب" باوراق دينية مُسيّسة، انما ضمن الحدود
التي تسمح لها بتغطية ما يجري داخلها من خلافات سلطوية وادارية.
ولإضعاف
كنيسة المشرق الاشورية، وبمباركة الفاتيكان دخل المطران سرهد جمو من
الكنيسة الكلدانية والمطران المُقال من كنيسة المشرق الاشورية باوي
سورو في مخطط من اجل الحاق كنيسة المشرق الاشورية بالفاتيكان بعد
دمجها بالكنيسة الكلدانية بصورة او باخرى. وجر المنظمات القومية
الاشورية الى خلافات وصراعات جانبية لتفتيها من اجل فتح المجال
للمنظمات القومية الكلدانية الحديثة لتأخذ دورها في تعزيز فكرة
"القومية الكلدانية".
الخطة
في جوهرها تركزت على محورين، فأولاً: تفتيت كنيسة المشرق الاشورية
والتشكيك بها لاضعافها من اجل اخضاعها والحاقها بالفاتيكان، تحت خطة
محكمة بدأت بتحويل الملكية القانونية لكنائس وممتلكات كنيسة المشرق
الاشورية وجعلها ممتلكات شخصية للمطران باوي وشراء ذمم الكهنة
بالرشاوى ... وثانياً: الدخول مع قيادة الحركة الديمقراطية الاشورية
في مشاريع اقتصادية وجر الحركة لتبني التسمية المركبة (كلدآشوري)
ومعاداة كنيسة المشرق الاشورية، فالمصالح المرحلية للاطراف الثلاثة
كانت متفقة ... فالمطران سرهد على ما يبدو يريد رئاسة الكنيسة
الكلدانية والسلطة الزمنية.. واشورسورو (باوي) كان يطمح لزعامة كنيسة
المشرق واخضاعها الى روما.. وقيادة زوعا بالاضافة الى المشاريع
الاقتصادية، اعتقدوا بان اضعاف كنيسة المشرق الاشورية ستسهل المهمة
لهم لزعامة الامة... فكل طرف كان له طموحاته ومشاريعه ، ولكنهم
جميعهم التقت مصالحهم المرحلية.
القس
سرهد جمو انذاك كان مجمدا عن الخدمة من قبل بطريرك الكنيسة الكلدانية
المرحوم مار بيداويد، فتدخل سورو وارسل رسالة الى الفاتيكان لإعادة
جمو الى الخدمة من دون معرفة البطريرك مار دنخا بذلك، بحجة، انهما
يشكلان فريقا متجانسا لتقريب وجهات النظر بين الكنيستين الكلدانية
الكاثوليكية والمشرق الاشورية، وكاد ذلك ان يؤدي الى خلافاً حاداً
بين قداسة البطريركين مار دنخا الرابع ومار بيداويد اللذين كانا
يعملان باخلاص وجدية على وحدة كنائسهما، لاسيما بعد الاتفاق الثنائي
سنة (1994) بين بابا الفاتيكان مار يوحنا بولس الثاني ومار دنخا
الرابع بطريرك كنيسة المشرق الاشورية.
في
الاحصاء العام الذي يقام في الولايات المتحدة الامريكية كل 10 سنوات،
كانت جميع التسميات المذهبية، الطائفية، والمناطقية (كلداني، سرياني،
اثوري، تلكيفي، ارامي..الخ) لشعبنا تدخل تحت القومية الاشورية، لهذا
بدأت في ديترويت اولى الخطوات لسرهد جمو ( قس انذاك ومطران لاحقا)
لفصل رعايا كنيسة بابل على الكلدان في طريق تحقيق حلمه في "الانبعاث
الكلداني"... وبدأ والمنظمات الكلدانية الموالية للكنيسة شكوى
قانونية في مكتب الاحصاء المركزي الامريكي حول التسمية، لتبني
التسمية الكلدانية كتسمية قومية مميزة. وبعد الهاء جميع منظمات شعبنا
في المهجر بهذه البدعة، حوّلواَ جهودهم الى الوطن لاحتواء الحركة
الديمقراطية الاشورية التي كانت تمثل الاغلبية الساحقة لشعبنا في
العراق، ونجحوا الى حد كبير في اول محاولة.
ذهب
وفد برئاسة المطران ابراهيم ابراهيم مطران ديترويت الى العراق في سنة
2003 للمشاركة في المؤتمر الذي قطر في بغداد. واتفقوا في هذا المؤتمر
على (كلدآشوريين) كتسمية قومية لشعبنا، وما لبث ان عاد الوفد الى
ديترويت ولكي لا يضيعوا وقتاً، اقام المطران ابراهيم ندوة جماهيرية،
للتأكيد وبإصرار على حرف الواو (و) لتكون التسمية (كلد-
و-
آشوريين)... ولم يمضي وقتا طويلا حتى فاجئنا البطريرك دلي بإصراره
على اعتماد (الكلدان) كتسمية قومية مميزة في الدستور العراقي، وكذلك
في دستور الاقليم في شمال العراق، ونجح في هذه المبادرة التي رحب بها
البرلمان العراقي والبرلمان (الكردستاني) لتزيد من خلافاتنا
الداخلية. وجاءت مفاجئة اكبر حجماً وأخطر من ذلك حينما ادلى مار دلي
بفتوى جديدة بوضع (الحرم) على كل ابناء الكنيسة الكلدانية اذا ما
اعلن انه آشوري، وكان ذلك في مقابلة تلفزيونية اجراها معه مدير
فضائية عشتار السابق ووزير في حكومة الاقليم حالياً السيد جورج
منصور.
وتزامن
مع هذه الحملة تاسيس احزاب ومنابر واتحادات ومجالس" قومية كلدانية"
اصطفت معظمها ان لم تكن جميعها الى جانب الكنيسة الكلدانية ضاهريا،
ولكن في حقيقة الامر فان مصالحها المرحلية مرتبطة بالكنيسة، لان معظم
مؤسسي هذه التنظيمات كانوا اما شيوعيون او بعثيون او من الحزب
الديقراطي الكردستاني..الخ
ولم يأتي
دعم الكنيسة الكلدانية واحسن القول (المشاركين في المؤآمرة) لأغلب
التنظيمات السياسية الكلدانية المصطنعة أمراً مفاجئاً، لانه اصبح
عاملاً مساعداً لتطلعاتها. ولكن الارتباطات بينهما، ارتباطات مرحلية
تنتهي بانتهاء الفوضى في العراق. وكل طرف سيظهر وجهه الحقيقي ويدافع
عن مصالحه حتى اذا أدت الى فك هذه الارتباطات والوقوف في موقف الضد.
ومن
جملة التنظيمات الكلدانية الحديثة، وأهمها:
* " الحزب
الكلداني الديمقراطي" بزعامة السيد عبد الاحد افرام الذي كان عضواُ
قيادياً في الحزب الديمقراطي الكردستاني. ويقال ان فاضل ميراني
سكرتير المكتب السياسي لـ "حدك" كان وراء تأسيس هذا الحزب، كما انه
كان وراء تأسيس "التجمع الديمقراطي الاشوري" خلال الفترة بعد حرب
الكويت، ليكون أداة ضد الحركة الديمقراطية الاشورية (زوعا)، حينما
بدأت الحركة بعد عام 1992 تنال ثقة الشارع الاشوري وتتوسع افقاُ
وعمودياً.
* المجلس
القومي الكلداني.. الذي جاء تأسيسه من قبل السيد غسان شذايا بعد تفتت
منظمة "آنو"... وأخيراً حدث انشقاق في المجلس، بعد الخلافات العميقة
بين غسان وبودخ رئيس المجلس.
* المنبر
الديمقراطي الكلداني تحت زعامة السيد سعيد شمايا الذي يعتبر من اقوى
هذه التنظيمات لما له من قاعدة شعبية لاسيما انه اصبح الملاذ الآمن
الذي تجتمع فيه معظم قوى اليسار... وبالرغم من دخوله في تحالفات
وجبهات (وحدوية) التي تتبنى الاسم المركب (الكلدان السريان
الاشوريين) كشعب واحد!!، الا انه تبنى الكلدانية كهوية قومية، ليلعب
بها كورقة سياسية.
كما وبدأت حملة تطالب كنيسة
المشرق الاشورية بحذف (الاشورية) من لقبها. وحملة أخرى تطالب بتغيير
اسم الحركة الديمقراطية الاشورية الى "الحركة الديمقراطية
الكلدواشورية" وكان بطل هذه الحملة، الدكتور سعدي المالح!! واخيراً
استطاع سعدي المالح ان يتبوء مركز مدير لـ "المديرية العامة للثقافة
السريانية" المستحدثة في وزارة الثقافة في الاقليم لتستبدل "مديرية
الثقافة الاشورية" بعد الغائها. وهذا المالح،
قرأ كلمته في الحفل التأبيني
للشاعر الراحل "سركون بولس" في الشهر الماضي باللغة العربية.
يقول توفيق سعيد توفيق: "...
تصوروا مدير الثقافة السريانية يقرأ كلمته بالعربية". كما ويقترح
السيد توفيق بإعادة اسم المديرية العامة الى اسمها الاصلي "مديرية
الثقافة الاشورية".
وعلى
الطرف الآخر بدأت معظم الاحزاب والتنظيمات السياسية الاشورية بتقديم
التنازلات للكنيسة الكلدانية والاحزاب الكلدانية الحديثة، للظهور
كوحدويون.
ووسط فوضى
الصراعات وتصعيد الخلافات التي احدثها بعض مطارنة الكنيسة الكلدانية
في صراعها على السلطة الزمنية وترسيخ الفصل القومي، انتقل عدواها الى
ابناء الطائفة السريانية، وكانت مفاجئة كبرى عندما اعلن قداسة
البطريرك زكا عيواص عروبته وعروبة السريان!!
واخيرا
انعقد في دهوك على قاعة (خاني) في رئاسة جامعة دهوك،
مؤتمر (اللغة السريانية الثالث) 19-22 كانون الاول
2007 تحت شعار
"
لغة قومية واحدة موحـَدة وموحـِدة "
وافتتح
المؤتمر أعماله
برعاية الاستاذ سركيس أغاجان وزير المالية والاقتـصاد
في حكومة الاقليم. وقسم المؤتمر الى اربعة محاور. وبالرغم من ان غاية
المؤتمر كانت تدور حول تطوير اللغة (الاشورية/السريانية) والتعليم في
مدارس الاقليم، كما قال القس شليمون إيشو، أمين سر المؤتمر، للوكالة
المستقلة للأنباء (أصوات العراق) إن المؤتمر "يهدف إلى الخروج بخطوات
علمية لحل المشاكل التي تواجه
تدريس اللغة السريانية، والعمل على وضع قاموس موحد
لتلك اللغة
."
الا اننا شاهدنا تسييس
المؤتمر وزرع خلافات جديدة بزج محوراً للمناقشة "اللغة السريانية
هوية وحضارة"!!
كيف يمكن ان
تكون "لغة" هوية شعب؟ فهناك العديد من الشعوب المختلفة اثنياً
يتكلمون لغة مشتركة واحدة، وهناك عدة لغات يتكلم بها شعب واحد موحد
اثنياً.
الحركة القومية الاشورية الحديثة اخذت تتطور فكرياً في بداية القرن
العشرين على يد روادها الاوائل ومن جميع طوائف ومذاهب شعبنا الاشوري
مثل: نعوم فائق، واشور يوسف، وفريد نزها، ويوسف مالك، وبيرة سرمس،
وبنيامين ارسانس، والكثير غيرهم، وتحت القيادة الحكيمة للبطريرك مار
بنيامين شمعون والقيادة العسكرية المتمثلة بآغا بطرس وآغا داود شقيق
البطريرك "والملوك" وزعماء العشائر الاشورية. وبذلك اصبحت الحركة
القومية الاشورية حركة شمولية فكراً وممارسة، وتجاوزت جميع
الاختلافات المذهبية والديموغرافية، كما قال المعلم الكبير ديفد برلي
" الكيان الآشوري
مبني على ثقافة، دين، احسـاس ووعي قومي يتجـاوز كل الاختلافات
المذهبية والديموغرافية. لكي أكون آشوري : الماضي هو تراثي يجب ان لا
أنساه ، الحاضر هو مسـؤوليتي، والمسـتقبل يدعوني للتحدي والنزال".
والمصاعب
التي تواجه الحركة القومية الاشورية اليوم، وان كانت خبيثة وشرسة من
الداخل او من الخارج، لكن شعبنا الاشوري يمكنه تجاوزها، ولأجل ذلك
يتحتّم علينا جميعاً فضحها والتصدي لها، ومن اجل دحرها يتحتم توحيد
الخطاب القومي الاشوري للوصول الى حقنا في تقرير المصير لأمتنا
الاشورية.
|