هذا
المقال كان قد نشـــر في «نجم بيت نهرين
المجلد السابع
العدد 4، تموز -
2000» |
|
صدى
التسميات |
في الآونة الأخيرة أضحت
التسمية الآشورية وما يمت اليها بصلة والتعامل معها ودلالاتها
القومية والطائفية تجد مكانة كموضوع
هام واهتمام في
الدوريات والاصدارات المتداولة على الساحة الآشورية، حتى انها تجد
المكانة نفسها في النشرات الحزبية. والملاحظ بأن اغلب تلك المطبوعات
تتناول موضوع التسمية هذا المنظور ورؤية سياسية والقلة تتعاطاها
كمادة بحث أكاديمي وان فعلت هذه القلة فالخلاصة والخاتمة لا تعتمد
على ما توصلت اليه دراساتهم وانما تكون نتيجة متطابقة لموقف سياسي او
مؤيد لجهة حزبية أخرى، وهناك من يرى تلك الموضوعات المتعلقة بالتسمية
وطرحها بهذا الشكل نعمة وآخرون يروا بأن تسييس موضوع التسمية بهذا
الشكل نقمة لأن محصلته النهائية وان حسمت تكون لرفع رصيد موقف سياسي
معين أو ربح جولة لجهة حزبية منافسة. أما مكسب الحركة القومية
الآشورية من كل ذلك هو: مجادلات كلامية اكثر وتخندق وتكلس وتصلب اقسى
وأشد في المواقف والاتجاهات، فتعاطي موضوع التسمية بهذا الشكل
والاسلوب والتعامل معه كأداة سياسية فهو أشبه بالذي يحاول تجليس ظل
لعصى فيها اعوجاج، فالعدد 114 من بهرا الجريدة المركزية للحركة
الديمقراطية الاشورية (زوعا) بيان وقعه نخبة من المثقفين الاشوريين
أبناء الكنيسة الكلدانية والمعروفين في أوساط الجالية الآشورية في كل
مكان من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفي نفس العدد من جريدة
بهرا مقالة تعبر عن رأي الدكتور سعدي المالح وقد عرفت بهرا الدكتور
سعدي المالح بانه معروف للقراء فله مواقفه الوطنية الواضحة وتحليلاته
للشأن العراقي، ومدرس جامعي سابق، كاتب صحفي، رئيس تحرير جريدة
المرآة ومجلة عشتار وهو الان مقيم في كندا. كذلك نجد صدى لذات الرأي
او المقترح في (نشروا دآثور) العدد (122) النشرة المركزية الناطقة
بأسم المنظمة الآثورية الديقراطية ضمن مقالة للسيد يكدان نيسان وهو
مهندس زراعي له اهتمامات قومية، مقيم ايضا في كندا. لدى هؤلاء قاعدة
فكرية مشتركة لها أبعاد سياسية في تفهم الوضع الآشوري وتعامل مميز مع
موضوع التسمية ويقترحون باعادة النظر من جديد بالتسمية الاشورية كأسم
قومي رافق وتلازم مع طبيعة وخصوصية الوجود القومي لشعبنا الآشوري بكل
طوائفه. وبرأي هؤلاء : (ان التسمية الآشورية تخص وتدل على احدى طوائف
شعبنا ولا تشمل افقياً على باقي الاشوريين ابناء الطوائف الاخرى) لا
بل تلغي دورهم الحضاري ومكانتهم داخل العمل القومي، وعلى الحركة
القومية الآشورية كي تتجاوز هذا التفرد بالاسم في مسيرتها النضالية
عليها أن تقتدي بالانجاز الرائع المعمول به لدى دائرة النفوس داخل
الولايات المتحدة الامريكية، والمتعلق بالتعداد القومي لسنة (2000)
حسب نموذج الاستمارة التي هي على الشكل التالي (سرياني/كلداني/اشوري)
او في الترتيب (آشوريون/كلدان/سريان). لأنه النموذج الاكثر صحة
والاكثر دقة، وثانيا العمل على تشكيل لجنة الاسم القومي الموحد
مهمتها اختيار الاسم البديل والملائم والمناسب والغائب ليتم التعامل
معه فيما بعد. لرب سائل يسأل اذا كان هذا النموذج مناسب وناجح لعملية
احصائية تعدادية بحتة في دائرة النفوس في الولايات المتحدة. هل يمكن
تعميم هذا النموذج ايضا والتعامل بموجبه في دائرة العمل القومي حتى
لمدة عشرة سنوات لحين الاتفاق على الاسم الموحد المناسب… والاسم
القومي الموحد المجهول، على الأقل عند أغلب الآشوريين بكافة طوائفهم
وهل سيلاقي التأييد والاجماع على القبول حتى عند من يعترض على
التسمية الحالية او عند الذين يحسون ويشعرون بان الآشورية لها
مدلولها الطائفي؟
الاسم القومي الموحد وان كان
مجهولاً كما يفترض حالياً كيف سيبنى مضمونه…؟ وهل يستمد سماته وخطوطه
العامة من التاريخ ام من الجغرافيا ام من الدين…؟ وبالتأكيد ان القوى
السياسية الاشورية لدى كافة طوائف شعبنا هي الاخرى ستتسائل، ما هي
نتائج تغيير الاسم على المفهوم القومي والوجود القومي الاشوري، وهل
الخطاب السياسي القومي سيتغير اي من الجهات سيرضي وأي من الجهات
سيغضب على الاقل ضمن ساحة العمل القومي في العراق. أن هذه التساؤلات
وغيرها ستطرح وتطفو على السطح حين الخوض في موضوع التسمية بهذا
المنظار، او حين البحث عن الاسم القومي البديل وغالبا هذه التساؤلات
تثير كثيراً من الدهشة والاستغراب وعديداً من الاستفسارات بل انها
تدفع الى الظن والتشكيك في مصداقية الهدف وان كانت النيات سليمة
وصادقة والدوافع ذاتية. اضافة الى هكذا طروحات تعيد الى الاذهان
وبالاخص الى الذاكرة القومية تلك الاساليب المنوعة والمختلفة التي
كانت تمارس للنيل من الوجود القومي الاشوري وما تلك الطروحات حول
الاسم القومي والتسميات المتعددة وانتماءاتها الا احدى تلك الاساليب
والمحاولات. والاشوريون بكافة انتماءاتهم الطائفية كانوا يعرفونها
ويعبرون عنها ويصفونها تحت عنوان الاضطهاد القومي الغير مباشر
للاجهاز على الوجود القومي الاشوري ونهوضه. قديماً في بداية الالفية
الاولى بقدوم المسيحية الى موطن الاشوريين وما رافق هذا الدين من
نهضة دينية مسيحية عارمة عالمياً وضع الشعب الاشوري أمام خيار وحيد
الآشورية ودلالاتها على الكفر والالحاد وإما النهضة الدينية وما
تعنيه من خلاص ونعم وعناية إلهية. ثم استئصال الآشورية كتسمية من
الوجود الاشوري حينها لهذا السبب لانها كانت تدل على الكفر والالحاد
والعالم الوثني (حسب النظريات اللاهوتية آنذاك) وحديثاً نحن الان
واليوم بالتحديد أمام خيار وحيد ايضاُ وقد نتسائل ( لماذا الآن...؟
والجواب بسيط جداً: لاننا نعيش نهوضاً قومياً عارماً على المستوى
العالمي). خيار وحيد أمام الشعب الآشوري، والهدف مرة أخرى رأس
التسمية الاشورية لان هذه المرة تدل وتعني على الطائفية. حينما عمت
النهضة الوطنية تلك الدول المتشكلة حديثاً وبشرعية دولية على اراضي
آباء الآشوريين ومواطن اقامتهم التاريخية بعد انهيار الامبراطورية
العثمانية لم يكن نصيب التسمية الاشورية افضل ولم تلاق مصير احسن لان
التسمية الاشورية حينها وبرأي من حاربها ووقف ضدها، كانت تعني وتدل
على التجزئة وتمزيق حدود تلك الاوطان القدر والمصادفة ان تكون
التسمية الاشورية ومحاربتها والوقوف ضدها هي الثمن أمام اي نهضة
عارمة وما اشبه اليوم بالبارحة فاذا تركنا جانباً ما تحمله مقالة
الدكتور المالح من معنى وأبعاد من خلال رأيه وتحليله، وتطرقنا فقط
الى بعض الشكليات الظاهرية قد لا تمت الى جوهر الموضوع بصلة ولكنها
تخلق انطباع واستغراب وتساؤل عند المتلقي.
1-
استعمل
الدكتور المالح شعبنا (الكلدو-اشور) بدلاً من الشعب الآشوري علماً،
بأنه حتى الآن على الأقل لم يطرأ تغيير او تبديل في الاسم القومي
وخاصة في مجال الفكر السياسي القومي الاشوري وحين استخدمها بتلك
الصيغة استبعد السريانية منها نرجو ان يكون ذلك من منطلق السهو وليس
القصد.
2-
في مقالة
الدكتور المالح لم يأت الى ذكر الشعب الاشوري واضحا وصريحا بصيغة
المعلوم وحتى لمرة واحدة وانما ورد بالضمير (نا) فكررها مرارا على
شكل شعبنا للتعبير والاشارة الى الشعب الاشوري وفي دائرة المنطق تعد
هذه الصيغة ضمن الاساليب والتعابير السلبية كونها اقرب الى المجهول
منها للمعلوم واقرب الى النفي منها للتأكيد.
3-
قام الدكتور
المالح من خلال مقالته بعض الجمل الاعتراضية للتصريح بها وللتلميح
لاظهارها بعض الامتيازات المحدودة لطائفة من طوائف شعبنا الاشوري دون
الاخريات (كالطائفة الاكثر عددا والاوفر حظا والاوسع علما) والتلميح
بان تلك الطائفة هي الاكثر تقدمية ووطنية من غيرها بسبب انخراط
ابناءها في العمل السياسي ضمن احزاب وطنية وطبقية هذا الاسلوب في
التعامل كان معروفا في عهد الحكومات الغير وطنية ويعرف ضمن سياسة
محدودة ذات صيت سئ نتائجها موجعة ومؤلمة عند كافة الشعوب وخاصة لدى
شعبنا الاشوري الذي عانى من ويلاتها وأكثر من غيره.
4-
لقد اطلق
الدكتور صفة مجموعات مشرذمة في مدن الشتات الموزعة على بلدان وقارات
العالم وحالة التشرذم ليشير الى تجمعات الشعب الاشوري في المهجر وكان
يوجد تعابير ألطف واقل سلبية واكثر دبلوماسية ليوصف ويعبر عن حالة
الاغراب والتهجير القسري التي ألمّت بطوائف الشعب الاشوري.
5-
أطلق
الدكتور المالح على الحركة الديمقراطية الاشورية (زوعا) صفة الحركة
العرقية، هذه الصفة ايضا تعبير سلبي يطلق عادة على الحركات القومية
من قبل جهات وقوى باتت معروفة، بهدف وقصد الاساءة علما بان للحركة
القومية الاشورية والوجود القومي الاشوري انتماء حضاري وانتماء
تاريخي معين وجغرافية محددة وليس انتماء عرقي. عندنا في الشرق ما
يميزنا عن غيرنا فيما يتعلق بالقراءة، ونحن ابناء الشرق نعتبر بان
تلك الميزة التي قد ننفرد بها ونعتبرها احدى اهم النعم، ومن المكاسب
الايجابية التي خلفتها وخلفتها لنا الحكومات المحلية والناتجة عن تلك
الاجواء المتعلقة بحرية الرأي وحمايته والتعبير عنه بالطرق المتوارية
التي هي اقرب الى الرمزية منها الى الصراحة والوضوح والقارئ منا
دائما يقرأ الكلمات والجمل ويبحث عن معناها وغايتها خلف السطور في
تلك المساحة الغير مرئية المتواجدة خلفها، وغالبا ما يصل القارئ الى
ضالته من جراء تلك القراءة الشرقية.
ان مواصفات الحكومة العتيدة
والبديلة حسب رأي الدكتور المالح ستكون قادرة فقط للمواصلة والإيفاء
بالتزامات العراق الخاسر قبل كل شئ وقادرة على قيادة العراق لفتح
صدره امام الاستثمارات الامريكية والغربية والنظام الديمقراطي
التعددي ومساحة الديمقراطية المتاحة تفتح المجال للتيارات العنصرية
للقوميات السائدة للنيل منا كشعب سياسيا وقوميا، حيث المساحة
الاشورية تربة خصبة لتلك التيارات العنصرية.
فمن الواضح ان الدكتور المالح
اعتمد على هذه الافتراضات والمسلمات كركائز لخلفية سياسية واضحة ليصل
الى تصور للعراق الغد بعد التبديل حيث تكون اجواءه ضبابية داكنة
السواد فإذا لم يكن اسوأ من العراق الحالي فهو ليس بأفضل من عراق
اليوم. قد يشارك البعض تصور الدكتور في هذا الطرح ولكن بالتأكيد لا
يتوافق هذا الطرح ولا يتطابق مع آمال وطموح اولئك الخارجين عن دائرة
السلطة العراقية الحالية وتطلعاتها.
اما النقطة التي تثير
الاستغراب وتجعل القارئ يتسائل هل القصة والهدف هي التسمية ام ان
التسمية وطرحها بهذا الشكل وراءه اهداف سياسية غير معلنة. فالدكتور
المالح، نعم، قد قيم الحركة الديمقراطية الاشورية، ولكن أظهر من خلال
تقييمه وتحليله ذاك الجانب والحيز من نضالها ومنهجها المتعلق بالوجود
القومي الاشوري مستقبله وصولا الى ممفهوم حق تقرير المصير، أي اظهر
واضاء النزعة النابذة للمسألة القومية الاشورية ووضح ذاك الجانب الذي
يخلق انطباع سئ وتخوف عند الغير في العراق على الاقل وتغافل وتناسى
تلك النزعة الجاذبة في المسألة القومية الاشورية والمتجسد ة حسب منهج
(زوعا) في بناء عراق ديمقراطي حر وديمقراطي تعددي واسقط ايضا تلك
العلاقات والارتباطات الوطنية المتوازنة والمتساوية التي يسعى ويناضل
(زوعا) لاقامتها مع كافة القوى السياسية وبمختلف الاتجاهات. بعبارة
اخرى، انار واضاء الجانب القومي واعتم واظلم الجانب الوطني المتلازم
والحتمي مع جانب الاول في نهج (زوعا) تجاه المسألة القومية الاشورية.
التسمية الاشورية مهما كبر
شأنها او صغر ومهما اتسعت دائرتها او ضاقت تبقى مركزا مهما لرصد
القوى والجهات ومعرفة تصوراتهم تجاه المسألة القومية الاشورية
ومستقبل شعبنا وانتمائه، كون التسمية تستعمل اداة لاغراض متعددة
واهداف متضاربة في المجال السياسي.
ان اعادة صياغة جديدة للاسم
القومي يرصد ويشير الى:-
1- صراع خفي لازاحة احدى
القوى الاساسية من طاولة العمل القومي الاشوري.
2- او لخلط الادوار للقوى
السياسية الاشورية لاعادة ترتيبها من جديد.
3- او، ان الاشوريين
مقبلين على مشروع جديد يتم الاعداد له ليحدد مستقبلهم داخل العراق.
ولكن ليس من خلال المبدأ والمفهوم القومي، وخارج اطار المسألة
القومية.
|