ظهرت الامة الاشورية منذ عهود طويلة قبل التاريخ، وجاء
ظهورها من خلال بروز شعب حي نشط يتفاعل مع الطبيعة
ويخضعها قدر المستطاع لارادته.
وقد ظهر هذا الشعب من بين ظهراني بعضه في
بودقة ثقافية محددة الملامح, قائمة على
اقتصاد ملموس، ومعتقدات روحانية غير ملموسة ولكنها
فعالة في نفس الانسان الاشوري، كما هو اقتصاده
بل اكثر من ذلك اثناء المحن التي كانت تلم بهذه الامة.
لسنا هنا
بصدد تعريف الامة الاشورية من حيث تاريخها وحضارتها،
دولها وسياساتها او بدايات تبلورها كوحدة
اجتماعية ومن ثم سياسية واقتصادية، وهي في طريقها للتحول الى دولة
مركزية ومن ثم الى امبراطورية أثرت وتأثرت في محيطها
وبه كثيراً.
بل ان
ما يعنينا في هذا المقال هو واقعها الاجتماعي والسياسي
الحالي، بل الاني وما فيها ويحيط بها في هذه
الايام تحديداً.
ان المتغيرات التي حصلت في العراق خلال
الثلاث سنوات الاخيرة لم
تمر دون ان تؤثر على المجتمع العراقي عموماً، وعلى الاشوري منه
خصوصاً. حيث صار الانسان الاشوري يتكلم بالسياسة وهو
يستطيع سماع نفسه! رغم دفعه فاتورة غالية مقابل
ذلك! اذ ظهرت منطلقات وطروحات فكرية وقومية وشعبية جديدة،
خصوصاً في مجال حرية التعبير، وطرح بعض المفاهيم
الديمقراطية، ومحاولة زجّ ممثلي الشعب في عملية
صنع القرار الاشوري الستراتيجي الى حد ما.
من هنا كان عام 2007
متميزا في هذا المجال: حيث ومنذ اشهره
الاولى تبلورت فكرة الاحتكاك بالشعب
مباشرة، والاستماع لرأيه في أهم المسائل المصيرية،
مثل: موضوع المواطنة، والحريات الشخصية
والسياسية. ومسألة الادارة الذاتية وعلى الارض القومية مع التركيز على
ازالة الغبن، بل الظلم الحاصل بحق ابناء هذا الشعب
طوال قرون وقرون، ومن دون وجه حق. فالوافد الى
وطن الاشوريين كان السبّاق الى اضطهاد ابن الوطن الاصلي وعلى طول
المدى الذي كان فيه الاشوري قد فقد سيادة نفسه
.
فالحدث المتميز الاول،
كان انعقاد المؤتمر الشعبي برعاية السيد الوزير سركيس
آغاجان في مدينة عنكاوة في اربيل خلال النصف
الاول من شهر آذار المنصرم. حيث ضمّ زهاء الف شخص من الداخل
والخارج ومن مختلف المذاهب والطوائف والمجموعات
السكانية للاشوريين. ومن هنا جائت تسميته
بالمؤتمر الشعبي (الكلداني السرياني الاشوري) أي المؤتمر الذي ضمّ جميع
الاشوريين وعلى مختلف مذاهبهم الدينية ومؤسساتهم
المدنية.
وانبثق من ذلك
المؤتمر الهام، مجلس رئاسي ومن ثم رئاسة جماعية لذلك
المجلس. بمعنى آخر تشكل نوع من البرلمان
الاشوري الشعبي. والذي ضمّ اخوة من الداخل والخارج ايضاً. فهو أي هذا
المجلس صار يمثل جميع الاشوريين في الداخل والخارج
وبكل مكوناتهم الدينية والسياسية والاجتماعية.
وما لبث أن انفضّ هذا المؤتمر الشعبي في
عنكاوة، حتى انعقد مؤتمر
آخر في النصف الاخر من العالم ـ لان الاشوريين منتشرون بسبب الاضطهاد
في جميع ارجاء الكون ـ أي في امريكا، وفي مدينة
موديستو من مدن كاليفورنيا تحديداً. حيث انعقد
المؤتمر القومي الاشوري في اواخر شهر اذار عام 2007 برعاية الدكتور
سركون داديشو وبعض الاخوة الحريصين على الشأن
الاشوري، ومن مختلف التنظيمات السياسية والاجتماعية
الاشورية.
في هذا المؤتمر كما كان الحال مع مؤتمر
عينكاوة، صدر بيان ختامي
احتوى من بين ما احتوى، مقررات تدور معضمها حول النقطتين الاساسيتين
التي ما زال كل اشوري يعاني منها. الا وهي
موضوع المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات داخل
الوطن المستقل الديمقراطي الموحد. بالاضافة الى اعادة
الاعتبار لكل اشوري ترك وطنه وخسر جنسيته
العراقية بسبب الاضطهاد والتمييز العنصري و الديني والعرقي في العهود
الاخيرة.
وقد تمت مناقشة مسألة الاتصال بمجلس
المؤتمر الشعبي, و ضرورة التواصل
معه، انطلاقا من حقيقة كون كليهما واحد ( المجزأ
الواحد ) فالمؤتمران يلتقيان في الاهداف،
ويمثلان نفس المجتمع، ويعالجان نفس المشكلة – المسألة الاشورية في
العراق – والمؤتمران
انعقدا برعاية اشورية وتمثيل آشوري، لتحقيق اهداف وطنية عراقية
واشورية فوق مذهبية وطائفية.
وتأكيدا على اعتماد الفكر القومي الواعي
من لدن الاطراف المشاركة في
المؤتمر القومي الاشوري في موديستو, قامت رئاسة هذا المؤتمر
بتوجيه رسالة رسمية الى رئاسة المجلس الشعبي في
عينكاوة، داعية اياه الى اللقاء في اقرب فرصة
ملائمة لتوحيد الجهود والخطاب، لأن القضية واحدة والمصير واحد. وان
توحيد الخطاب سوف يجعل المهام اسهل ونتائجها
احسن والوصول اليها اقرب.
وفي هذه الايام
ينعقد في طهران المؤتمر القومي الاشوري المتمم لسابقه
في موديستو . ينعقد هذه المرة بحضور وتمثيل
اشوري اوسع وباهتمام وامل اشوري اكبر. هذا المؤتمر الذي سيتمخض عن
انتخاب برلمان اشوري قومي, يضم بين صفوفه ممثلين عن كل
الاشوريين بكل تشكيلاتهم السياسية والحزبية
والاجتماعية من الداخل والخارج.
ان انعقاد هذه
المؤتمرات الاشورية الموسعة واللا حزبية أو فئوية
ضيقة, وفي هذه الفترة من تاريخ الوطن و تاريخ
الامة بالذات, لابد وان تكون لصالح الامة, لو تعامل القائمون عليها
بروح وطنية صادقة وقومية عالية مع مسألة الامة, آخذين
بنظر الاعتبار المنطق والواقع والحقائق
التاريخية الثابتة.
فان مراعاة المنطق دليل نضج ووعي لكل
المتعاملين مع موضوع الامة.
واخذ الواقع وما هو ملموس ومعروف على الارض بعين الاعتبار، ولكن
بصورة واقعية يعقلها العقل ويقبلها, بحيث تنسجم مع
جوهر المسألة الاشورية وحقيقتها التاريخية
المطلقة. سيؤدي حتما الى الانتقال بمسألة الامة الى مرحلة التبلور
والصيرورة نحو الاكتمال والثبات، سواء داخليا أي بين
الاشوريين انفسهم، او خارجيا لدى المجتمع
العراقي والدولي على حد سواء، اذ يتحتم على هذا المجتمع ان يتعامل مع
الحقيقة الاشورية الواقعة وعلى الارض في الوطن، وفي
المهاجر حيثما يسكن الاشوريون.
والان ايها الاخوة, ايها الاشوريون
بمختلف مكوناتكم المذهبية
والفئوية, ان المقومات الثلاث، المنطق، الواقع، والحقيقة، يدعونكم الى
التعامل الموضوعي مع هذه الحالة القومية
الجديدة, ويتحتم عليكم جميعا الانخراط الطوعي تحت
لوائها للنهوض بالمشروع الاشوري المقدس، ووضعه في
مكانه الصحيح، وبالصورة التي تتحقق من خلالها
كافة حقوق وامال وطموحات هذا المجتمع المحروم من كل شيء تقريبا.
وانتم ايها الاخوة المصطفون في المدى
الواقع بين المؤتمر القومي الاشوري
المتمثل بالبرلمان الاشوري, وبين المؤتمر الشعبي في
عينكاوة والمتمثل برئاسة مجلسه (برلمانه
الشعبي), في أي حزب كنتم او كنيسة او مذهب او فئة او تشكيلة اجتماعية
وثقافية وفنية..... الخ جاء دوركم، بل ان الحتمية
التاريخية تفرض حقيقتها عليكم كي تأخذوا القرار
الحاسم والموقف الشجاع، وتحتلوا المكان المناسب لكم وللامة، وتقفوا
بكل جرأة وثبات لصد الثغرات الاخيرة في جدارها
ومسيرتها نحو تلاحم اجزائها, لانها اصلا امة
واحدة في جوهرها ومجزأة في مكوناتها.
فالاشوريون مجزؤون اليوم وطنيا
ودينيا ومذهبيا، وحتى ثقافيا واجتماعيا الى حد ما،
بسبب التباعد الجغرافي والذهني، ولكنهم مع ذلك
يشكلون نسيجاً واحداً متحداً في ذاته تاريخياً وحضارياً. فليس
للاشوريين حيثما كانوا وطنا الا العراق، وليس
للاشوريين اسم حضاري متميز ذو مسحة قومية فكرية
سياسية اجتماعية, او مدلول لا ينم الى المذهبية والطائفية او الحالة
المهنية والشهرة الاقليمية....الخ الا الاسم الاشوري،
الذي يجب ان تكنى به هذه
المجموعة البشرية المتميزة بغلتها وتراثها وثقافتها
وتقاليدها ونمط حياتها عن بقية مجاميع ومكونات
الشعب العراقي.
ومن هنا بات من المسلمات امر الاستغاثة
بالقومية والارتكان اليها
للخروج من المحن وتذليل الصعاب. التي نعاني منها اليوم. تلك الصعاب
التي لا حل لها بل لا توجد طريقة للتخلص منها، سوى
الاستغاثة بالامة (القومية)
الاشورية، مستحضرين الحضارة والثقافة
والروحانيات بكاملها لهذه الامة وعلى مدى
اطوارها التاريخية ـ دون اهمال شيء ودون تأليه شيء
منها ـ .
عندها فقط سيستقيم
امر الامة، تجاه النهوض والتطور، لتؤدي دورها في
العراق المعمورة كما كانت. |