وليم ميخايل
11 نيسان - 1999
العراق هو
أصلا
وطن الاشوريين منذ بداية التاريخ، فالشعب الاشوري المؤلف أكثر من ثلاثة
ملايين نسمة، حوالي المليون منهم في العراق هم قومية رئيسية اسوة
بالقومية العربية والكردية والتركمانية والارمنية ...الخ يتوزع الشعبان
الاشوري والكردي، بشكل طبيعي أو قسري، على أربع دول رئيسية هي: تركيا
وايران والعراق وسورية، لكن لم يتخل أي منهما يوما عن حلمه في أن يكون
لهم وطنه ودولته.
الشعب الاشوري (النساطرة والكلدان والسريان) له تاريخه المجيد وهويته
الوطنية والقومية المميزة وله مقوماته وتراثه واستماتته في نيل حقوقه
بالرغم من مأساته المسترة لقرون طويلة. إذا أسلمنا بهذا الأمر فما هو
سر اصرار الاكراد على ذكر القومية مرفقة (بالرئيسية).
هذا الشعب له تاريخه وهويته الوطنية الخاصة وتراثه وتقاليده ولغته
وسائر المكونات والمقومات التي يفترض ان تؤمن لهما، نظريا ومبدئيا،
التمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها العرب والاكراد.
لماذا يواجه الاشوريون هذا المصير المفجع؟ لماذا لا يحق لهم ما يحق
لسواهم مع انهم دفعوا ويدفعون ثمنا باهظا لكي يثبتوا لأنفسهم وللعالم
انهم هم ايضا جزء من هذه البشرية وانهم يستحقون ان ينالوا ما نالته
شعوب اخرى؟
هذا هو جوهر مشكلة الاشوريين وأساسها.
لماذا يقف العالم ضد
الدولة الاشورية أو الدولة الكردية؟
هناك قناعة عربية ودولية، معلنة عربيا وغير معلنة دوليا، بأن الاشوريون
والاكراد لا يستحقون ان يحصلوا على دولة خاصة بهم وان لا مصلحة لأحد في
انشاء دولة قومية لهم في منطقة الشرق الاوسط.
فليست هناك دولة عربية او أجنبية تعامل الاشوريون والاكراد، لا فعليا
ولا كلاميا، على أساس انهما شعبان يستحقان الاستقلال وتقرير مصيرهما
بنفسهما ويستحقان ان تتكرس حقوقهما الوطنية والقومية في إقامة دولة
مشتركة لكليهما أو دولة قومية لكل منهما.
صحيح ان الاشوريين تمتعموا بنوع من الحكم الذاتي في هكاري - تركيا قبل
الحرب العالمية الاولى مرة ومرة آخرى في اورمية - ايران بعد الحرب
العالمية الاولى.
وصحيح ان الاكراد ذاقوا طعم الحكم الذاتي في ايران بعد الحرب العالمية
الثانية حين اعلن «الحزب الديمقراطي لكردستان الايرانية» بدعم من
الاتحاد السوفييتي وتمويل منه قيام الجمهورية الكردية في كانون الثاني
1946 وهي تضم مجموعة مدن ايرانية ذات أغلبية كردية أبرزها مدينة
مهاباد. لكن الجيش الايراني قضى على هذه الدولة الكردية في نهاية العام
1946.
منذ ذلك الحين والى اليوم ماذا حدث وكيف تم ويتم التعامل مع المشكلتين
الاشورية والكردية؟
الامر الاول الأساسي الذي لابد من تأكيده هو ان الدول الاربع التي يعيش
فيها الاشوريون والاكراد، أي تركيا وايران والعراق وسورية. هذه الدول
الاربع متفقة فيما بينها، برغم خلافاتها حول أمور عدة، على ضرورة منع
قيام دول قومية للاشوريين وللاكراد في اي منها وعلى ضرورة عدم التعامل
معهما على أساس انهما شعبان مميزان لهما حقوقهما الوطنية والقومية، بل
على أساس انهما يشكلان أقليتين يجب أن تخضعان، بشكل أو أخر لقوانين
الدول التي تعيش فيها. وتعتبر هذه الدول الأربع ان انشاء الدول القومية
للاشوريين وللاكراد أو الدولة المشتركة لكليهما، من شأنه ان يؤثر على
اوضاعها الداخلية ويهدد كياناتها واستقرارها ويثير فيها وفيما بينها
الإضطرابات والنزاعات.
الأمر الثاني الأساسي
ان دول الشرق الاوسط الاخرى وجميع الدول المعنية بهذه المنطقة متفقة
فيما بينها، بصورة معلنة، على ضرورة منع قيام الدول القومية او الدولة
المشتركة للاشوريين والاكراد، على أساس انه ليست هناك مساحة سياسية في
هذه المنطقة لاقامة هكذا مشاريع، وعلى اساس انه ليست هناك حاجة لذلك او
مصلحة لاحد في ذلك.
هذا الموقف العربي- الدولي الذي يغلق الباب تماما أمام احتمال قيام
الدولة المشتركة ناتج عن ان الاشوريون والاكراد يعيشون في منطقة
استراتيجيية بالغة الاهمية والحساسية تجمع بين جبهة النزاع العربي -
الاسرائيلي والخليج الفارسي، مما يعني ان إقامة هذه الدولة سيؤدي الى
زعزعة الاوضاع في عدد من الدول والى تغيير موازين القوى والمعادلات
القائمة في المنطقة والى تعريض الأمن والاستقرار لتهديدات وأخطار جدية
كبيرة، إضافة الى ما يمكن أن تثيره هذه الخطوة من تأجيج للاضطرابات
والنزاعات العرقية. فكيف يمكن ان يحقق الشعبان الاشوري والكردي حلمهما
في إقامة دولتهما المشتركة والجميع ضدهما في مسعاهما هذا ولا احد في
العالم يجد أية مصلحة في إقامة مثل هذه الدولة. كما ان الشعبان لا
يملكان القدرات والامكانات الذاتية التي مكنت شعوبا أخرى من إنشاء
دولها في ظروف تاريخية ملائمة لها؟
اللعبة والضحية
لكن المشكلة الاشورية-الكردية لا تقتصر على استحالة قيام الدولة
المشتركة فحسب، بل ان لها جوانب مأساوية أخرى تتعلق خصوصا بمعاملة
الدول للشعبين الجارين المقيمين فيها، فاذا كان اشوريي وأكراد سوريا
يعاملون معاملة جيدة بشكل عام ويتمتعون بقدر كبير من الأمان، فان
السلطات السورية تمنع هذين الشعبين من أن تكون لهما هوية وطنية أو
ثقافية مميزة إذ تحرم مثلا التعليم أو النشر باللغتين الاشورية
والكردية، وتتخذ اجراءات عدة لمنع الاشوريون والاكراد من ممارسة ما
يعتبرونه حقوقهم الوطنية او الثقافية او السياسية او ما شابه. أما في
العراق و ايران فان معاملة الشعبين الاشوري والكردي اكثر قسوة وتصل
أحيانا الى حد ممارسة عملية القتل الجماعي بحقهما. وتنظر السلطات
العراقية والايرانية الى الاشوريين والاكراد على أساس انهما يشكلان
شعوب خطرة أو معادية يجب إخضاعها بإستمرار، سواء بالقمع او بالحوار
السياسي والتعامل المرن وفقا للظروف، لقوانين الدولتين وأنظمتهما، ويجب
منع أفراد هذين الشعبين من لعب أي دور مؤثر في الحياة السياسية او
الاقتصادية او الاجتماعية او الثقافية للبلدين.
المعاملة الأسْوَأ يتلقاها الاشوريون والاكراد على أيدي السلطات
التركية، فالسلطات التركية لا تكتفي باستخدام كل وسائل القمع والاضطهاد
ضد الاشوريين والاكراد المقيمين في أراضيها، بل انها تذهب أبعد من
الدول الأخرى في نفيها لوجود شعوب آشورية وكردية أو هوية آشورية وكردية
وتمنعهم من استخدام لغتهم وتعمل بشكل منتظم على ازالة كل معالم تاريخهم
وثقافتهم وخصوصيتهم بحيث يذوب هؤلاء في الدولة التركية والمجتمع
التركي. ويلعب الجيش الدور الأساسي في تنفيذ هذه السياسة التي حدد
مضمونها أتاتورك مؤسس الدولة التركية، اذ ان الجيش يعتبر نفسه حامي
الدولة التركية والمسؤول الأول عن ضمان وحدتها والحفاظ عليها.
|