يوسف داود
هل إن الحكومة الأمريكية تريد فعلاً تغيير رئيس الوزراء
العراقي نوري المالكي؟ أم أنها تريد زيادة الضغوط من أجل
الحصول على مكاسب أكثر للعرب السُنّة؟
ويرجّح أن يجنح السياسيون الأمريكان نحو توصيات مجموعة دراسة
العراق الداعية إلى سحب نصف القوات الأمريكية المقاتلة
واستخدام القوات المتبقية في عمليات تستهدف تنظيم القاعدة
وتدريب قوات الأمن العراقي وحراسة الحدود العراقية.
والأحداث العراقية اليومية تؤكّد أن سحب جزء من
القوات الأمريكية من شأنه أن يفجّر مزيداً من العنف، وأن يعرّض
حياة من تبقّى من القوات الأمريكية لمخاطر أكبر، ويرى
المحلّلون السياسيون في أمريكا أن الحل الأفضل يكمن في الإعلان
عن خطط لسحب جميع القوات الأمريكية، لأن ذلك سيؤدّي إلى وقف
الخسائر الأمريكية تماماً ويضع حكومة المالكي التي تسيطر عليها
الشيعة والأكراد أمام واقع أليم يضطرها إلى تقديم التنازلات
المطلوبة للسًنّة. الأمر الذي قد يوقف اندلاع حرب أهلية
المنتصر فيها يربح كل شيء (ولكني أرى أن لا منتصر في حرب أهلية
شيعية سنية) والخاسر الأول والأخير هو الشعب العربي في العراق.
ويؤكّد إيفان إلاند زميل بمعهد اندبندنت انستتيوت
إلى خيار الكونفدرالية التي تقوم بمقتضاه ثلاث دول، دولة سنية
في الوسط ودولة شيعية في الجنوب ودولة كردية في الشمال، وحكومة
مركزية في بغداد مهمتها الأساسية التجارة والشؤون الاقتصادية
وتسيير السياسة الخارجية. وأبيّن النقاط التالية تعليقاً على
الإندبندنت:
1- هل وصل قادة العرب عموماً والعراقيين خصوصاً إلى المستوى
العقلي والفكري والعلمي الذي يجعلهم يشكّلون مثل هذه الحكومات
دون أن يكون بينهم إعتداءات يومية ومتكرّرة سواء عسكرية أو
تجاوزات على الحدود.
2- هل سيستطيع العرب التعايش مع الأكراد والعكس ضمن المناطق
المحدّدة أو هل يمكن للشيعة أن يتعايشوا مع السًنّة؟ وماذا عن
العوائل المتزاوجة لعشرات السنين؟ كيف سيكون مصير الأبناء؟
3- الأهم من كل ذلك، هل سترضى دول الجوار إيران وتركيا
والدول العربية بهذا التقسيم الاستعماري الجديد بحجة
الكونفدرالية؟
ورغم أن صنّاع السياسة الأمريكية امتدحت النظام الديمقراطي
الجديد الذي يريد بوش تطبيقه على الشرق الأوسط بأسره، إلا أن
الإدارة الأميركية انتقدت الحكومات العراقية لفشلها في تحقيق
أهداف تمّت صياغتها في واشنطن، وخاصة المالكي حيث تلومه أمريكا
بأنه يتحمّل المسؤولية عن الفشل في تهيئة الشروط المؤتمنة
للمصالحة السياسية والتي تسمح بسحب القوات الأميركية من
العراق.
وكما هي العادة في الإدارات الأميركية وذكرناها في
الجزء الأول من المقال، اليوم تريد الإدارة الأميركية أن تجعل
حكومة المالكي كبش فداء بتحميلها المسؤولية عن فوضى اندلعت
جراء سياسات أمريكا وأخطاءها التي تجاهلت حقائق الواقع
العراقي.
ولا يريد الساسة الأمريكان الذين يريدون استبدال المالكي اليوم
أن يتعلموا أن هناك قوى شريرة أخرى جاهزة بأسلحتها في العراق
ليس استعداداً للصراع على السلطة عبر صناديق الاقتراع، بل في
الشوارع.
حيث أكّدت صحيفة نيويورك تايمز في مقال بعنوان
"الأسلحة العراقية موضوع تحقيقات جنائية" كتبه كل من جيمس
غلانز واريل شميث. بعد كشف شبكة واسعة تقوم ببيع وتسليم أسلحة
وإمدادات بمليارات الدولارات للقوات الأمريكية والعراقية. وهي
أكبر حلقة تزوير وعمولات يتم الكشف عنها وتمّ توجيه الاتهامات
بحق الأمريكيين، وأشاروا أن ضابطاً رفيع المستوى عمل عن قرب مع
قائد القوات الأمريكية في العراق ديفيد بتراوس في توفير
الإمدادات للقوات العراقية عامي 2004 -2005، وهذه الإمدادات هي
جزء من سلسلة من القضايا الجنائية مشيرين أن 37 قضية تتعلّق
بالتزويد في العراق وأفغانستان والكويت حسب ما ذكر الناطق
الرسمي بإسم الجيش الأمريكي دان باغيو.
ومن جانب آخر ضغطت الإدارة الأمريكية على القادة
العراقيين (الشيعة والأكراد) بكل ما تملك ليتم الاتفاق
والإعلان على عودة الحياة لحزب البعث في العراق، حيث رضخ حزب
الدعوة مع المجلس الأعلى للثورة الاسلامية (الشيعة) وقبلهما
الأكراد وأعلنوا التوصل إلى قرار بإعادة حزب البعث إلى الحياة
السياسية والأمنية والعسكرية وهو القرار الذي اعتبرته واشنطن
المعيار الوحيد الذي يدفعها إلى القول بأن العملية السياسية
خرجت من عنق الزجاجة، واعتبار فتح الطريق أمام البعثيين وقبول
مشاركتهم في العملية السياسية بمثابة تعبير حقيقي للمصالحة
السياسية حسب التفسير الأمريكي لهذه المصالحة، وهو ذات التفسير
الذي طالبت وتطالب به السعودية ودول الخليج إضافة إلى الأردن
ومصر.
فهل إعادة حزب البعث إلى الحياة في العراق سيوقف
القتل والإجرام والإرهاب؟ وهل سيتمكّن البعثيون أن يحقّقوا
الأمن والسلام الذي لم تستطع قائمة التوافق السنية تحقيقه؟
وما هي القائمة التي ضمّت (32) مطلوباً للسلطات العراقية
والشرطة الدولية (الإنتربول)؟
ولنا لقاء لتكملة الجزء الاخير
|