يوسف داود
عندما
تشرق شمس العراق ايامات الصيف تصل الحرارة ذروتها في شهري تموز وآب
اللهاب، ولا يتحملها حتى ابناء الصحارى. في شهر آب يطول النهار ليزيد
في عذابات المنكوبين العراقيين عموما والآشوريين وعموم المسيحيين خصوصا
حاضرا وفي الماضي القريب والسحيق. لا اريد ان اغوص في التأريخ البعيد،
بل ساوفر عليكم الوقت وأُقصِر الكلمات حتى أُلملمُ جراحات شعبٍ منذ عام
1914 مع بداية الحرب العالمية الاولى، واستشهد ببيت شعر للشاعر: قتل
أمرءٍ في غابة لا يغتفر ولكن قتل شعبٍ آمنٍ"اعزلٍ" فيها نظر.
الانكليز منذ بداية
توسعهم قبل الحرب العالمية الاولى استطاعوا استغلال الآشوريين في جبال
هكاري وشمال العراق وخاصة بعد تعرضهم للمجازر التركية مع الارمن عام
1915 والحجة حماية المسيحيين من القتل والاضطهاد، والحقيقة استغلالهم
لتحقيق مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة عموما والعراق خصوصا.
وجاءت الفرصة الذهبية
للآشوريين في مؤتمر سيفر في فرنسا عام 1919، فيه تم اقرار منح الارمن
واليهود والآشوريين والاكراد كيان آمن "وطن"، ولكن لم يطل الوقت حتى تم
انكار الوعد على الآشوريين ومنح الارمن واليهود وطن تحت راية لكل منهما
دولة وحكومة وذلك في معاهدة لوزان في سويسرا عام 1923.
بعد ان لعب الانكليز
لعبتهم السياسية القذرة واقنعوا القادة الآشوريين ورؤساء العشائر
بالتصويت لضم الموصل "نينوى عاصمة الامبراطورية الآشورية" الى الحكومة
العراقية لاعادة التوازن بين السُنة و الشيعة
في العراق، ومن ثم نكثوا
بوعودهم للشعب الآشوري، وبدأت المعاناة والمحن والمصائب تنصب على رؤوس
الآشوريين بعد نقلهم من جبال هكاري والموصل الى بعقوبة (بعد ان اتفق
الانكليز مع تركيا بضم الموصل الى حكومة الملك فيصل الاول بشرط عدم
اعادة الآشوريين الى اراضيهم في جبال هكاري) وخلال هذا النزوح الاجباري
القسري مات الآلاف جراء سوء الاحوال المعاشية واصابتهم بالامراض
الفتاكة.
اليوم اذ نستذكر شهداء
امتنا الآشورية في السابع من آب من كل عام، انما نوقد جذوة الشعور
القومي في ابناء شعبنا وامتنا وشبابنا وشاباتنا لايقاد الشموع على
ارواح شهدائنا، ونُذّكر مع مرور كل عقد من السنين تجدد المآسي والمجازر
واستمرار سقوط الشهداء من ابناء شعبنا الآشوري.
مع بداية عام العقد
الثلاثيني بدلا من ان يعمل الانكليز على رعاية الآشوريين وحمايتهم بعد
ضم الموصل الى الحكومة العراقية، خططوا معها في ضرب الآشوريين وكسر
شوكتهم، وبدأ التخطيط لذلك بعد قتل القائد الآشوري آغا بطرس عام 1932في
مدينة ساتو/طولوز الفرنسية "حيث وُجد ممددا على الرصيف وفارق الحياة
بعد نقله الى المستشفى". وبدأت حياكة المؤامرات من قبل الحكومة
العراقية وبموافقة الانكليز ووضعت خطة اجرامية بربرية لابادة الشعب
الآشوري لمنعهم من المطالبة بحقوقهم المشروعة وتلاحمت القوات العراقية
مع قطاع الطرق من الاكراد الذين كانوا ينتظرون الاشارة للانقضاض على
الآشوريين وقتلهم او هروبهم فتهجيرهم من اجل الاستيلاء على ممتلكاتهم
واراضيهم ومزارعهم. وبدأت التحرشات وازدادت حدة وضراوة مع حلول صيف
1933 وبدات الحكومة تطالب الآشوريين تسليم اسلحتهم التي يملكوها منذ
عشرات السنين. واحاطت القوات العراقية والاكراد بمدينة سميل وضواحيها،
ومع حرارة شمس آب الحارقة بدأت الجبال تنقل صدى وقع اصوات الخيول
والمدرعات ذات السلاسل والتجمعات لآلاف القتلة المدججين بالسلاح، نعم
في تلك الليلة المشؤومة المظلمة اتفق القمر مع النجوم ان لا يغيبوا
ويختفوا حتى لا تشرق الشمس وينبلج النهار، لعلمهم بما سيصيب ابناء
الآشوريين، ولكن مهما طال الليل فلا بد ان ينجلي وتشرق الشمس لتعطي
العالم حيوية ونشاط . ولكن في مدينة سميل بدا مغول القرن العشرين بصب
حقدهم ونيرانهم على رؤوس الآشوريين الآمنين وهم يتضرعون الى الله ان
يزيح عنهم غمامة الصيف القاتلة...ولكن ، وآه من، ولكن.. اندفعت
المجاميع الارهابية والقتلة وقطاع الطرق لتقتل الرجال والنساء والشيوخ
وحتى الحوامل كانت تبقر بطونهم لقتل الاجنة، اما الاطفال فكانوا
يحملونهم على اسنة الرماح ويرموهم تحت عجلات العربات المصفحة لتطحنهم
دون رحمة وتترك الجثث تحت اشعة الشمس الحارقة لتتعفن والدماء تسيل في
الشوارع وازقة سميل.
اشرف على مخطط الابادة
الجماعية للآشوريين وتنفيذ المؤامرة كل من !-وزير الدفاع العراقي جلال
بيك بابان 2-متصرف لواء الموصل خليل عزمي 3- قائمقام زاخو بكر صدقي.
اما خطة المجزرة فقد وضعها:1- وزير الداخلية حكمت سليمان. 2-مدير
الشرطة العام صبيح بيك نجيب.3-رشيد عالي الكيلاني عضو البرلمان
العراقي. وشاركت الطائرات الانكليزية برمي قصاصات ورقية مُوَقّعة من
الحاكم العراقي يطلب فيها من الآشوريين تسليم اسلحتهم مقابل ضمان
سلامتهم.واُغلقت كافة منافذ الدخول او الخروج وتم قطع الهواتف ووسائل
الاتصالات قبل السابع من آب وحتى انتهاء المجزرة التي بدأت في 11 آب
وحتى 17 آب 1933. ستة ايام متتالية بنهاراتها وشعب يباد جماعيا ويقتل
الآلاف منه ويعمل القتلة على اخفاء جرائمهم وازالة كل آثار الجريمة ،
نعم الجيش العراقي مع العصابات الكردية ينفذون ابشع جريمة القرن
العشرين وقد وضعت مكافأة قيمتها جنيه استرليني واحد لرأس كل آشوري مع
وعد من الملك باسقاط كل التهم التي ترفع الى المحاكم ضد القتلة. بعد
هذه المجزرة وتحت حجة حماية الآشوريين، اكملوا جريمتهم البشعة وجمعوا
الرجال والنساء والشيوخ لـ11 قرية من قرى سميل وتحت اشراف مكي الشربتي
قاممقام دهوك وقتلهم جميعا ومن بينهم 80 شخصا من عشيرة الباز وحتى
القسس قُتلوا ومُثّلت بجثثهم، وتم تدمير ما بين 80-90 قرية بالكامل
وتخيير الآشوريون المسيحيون باشهار الاسلام او القتل. واعلن الشربتي ان
من يخفي آشوريا عقوبته الموت. وقد تم تسليم 500 آشوريا واُخرج مئة
آخرين من دورهم وبيوتهم بالقوة. في الوقت ذاته تم فصل عمال السكك
الحديدية من الآشوريين العاملين مع الانكليز وموظفي شركة نفط العراق،
وبعدها تم الاعتداء عليهم من قبل رجال الحكومة واصابوهم اصابات بالغة.
والانكليز يقفون متفرجين بل مساهمين في العملية من بدايتها، وقد تم
تصوير المجازر بواسطة الطيارين الانكليز. وكان قد تم اخلاء الاجانب
باوامر من الحكومة قبل عشرة ايام من بداية المجازر. وأبين للتأريخ ان:-
1-
بطريرك
كنتربري في مجلس اللوردات الانكليزي في 28 تشرين الثاني 1933 قال: انها
ابشع جريمة ولم تحصل حتى خلال الحرب العالمية الاولى. 2-تعتبر مجزرة
سميل ابشع عرض وحشي للتطرف الديني ونادرا ما تحصل. 3- منح الانكليز
صدقي بيك لقب صدقي باشا لتنفيذه الجريمة، ووصفوها انها ابشع من مجزرة
تركيا البربرية ضد الارمن والآشوريين عام 1915. 4-لم يكتب احدا عن
المجزرة الا بعد انتشار الاخبار في اوربا وقد عمل كامبرلاند ممثل
الانكليز مع الحكومة العراقية على ازالة كل اثر وشاهد على المجازر. تم
اجبار الآشوريين ان يكونوا جيدين ويخدمون الحكومة العراقية (يعني
يكونوا خدما للحكومة).
الاحداث المستجدة على
الساحة الدولية آنذاك من القضية الفلسطينية وثورة الحسيني، وفوز ادولف
هتلر في الانتخابات الالمانية في 30 كانون الثاني 1933 وانتشار النازية
ادى الى طمس المجزرة الآشورية، ووضعت القضية على الرفوف وتراكمت عليها
الاتربة وحفظت بين آلاف القضايا والملفات التي ولدت وهي ميتة. ويلعب
الانكليز لعبتهم ويقنعوا بعض الآشوريين ويدفعون رواتبهم مع مبالغ ومنح
لبعض رؤساء العشائر الآشورية وشراء ذمم البعض، حتى لا يطالبوابتنفيذ
قرارات مؤتمر سيفر للسلام عام 1919. وخطة الانكليز الشيطانية هي (خلق
فجوة وانشقاق بين ابناء الشعب العراقي) وفي النهاية منح الانكليز لبعض
القادة موافقة سفر الى لندن والعيش فيها وكان الثمن هو بيع القضية
الآشورية . عام 1952 منحت الحكومة العراقية شهادة الجنسية العراقية
للآشوريين كبادرة حسن النية ظاهريا ولكن الحقيقة كانت فرزهم واعتبارهم
مواطنين من الدرجة الرابعة والخامسة للتمييز بينهم وبين الآخرين في
الوظائف والمواقع الادارية والحكومية. وتم تسمية المواطنين بـــ
حملة شهادة التجنس العراقية وحرم الكثيرين من الابناء بعد سنوات
لعدم حصولهم على الجنسية العراقية وتم فصلهم من الجامعات والمعاهد
وحرموا من دراساتهم. عام 1959 قام الشواف بمؤامرة ضد عبد الكريم قاسم
بدفع وتخطيط وتمويل من جمال عبد الناصر واستغل الدين الاسلامي لاضطهاد
المسيحيين عموما والآشوريين خصوصا وطردهم من ارض اجدادهم في نينوى.
واستمرت الاعتداءات كل عقد وبعد استلام عارف السلطة في العراق، عمل على
توسيع الفجوة الطائفية بين المسلمين وتعميقها بينهم وبين المسيحيين
والاديان الاخرى، وبتشجيع من جهات اقليمية واجنبية وجاءت الطامة الكبرى
مع بداية عقد السبعينات واستلام البكر وصدام السلطة لتستمر حتى سقوط
نظام صدام في 9 نيسان 2003. توسم المسيحيون عموما والآشوريون خصوصا ان
يعيشوا في سعادة وامان بعد رحلة المعاناة والمآسي الطويلة ولكن...آه من
...ولكن ومرة اخرى احفاد ارهابيي مجزرة سميل (بتوصية من اجدادهم)
يطورون اساليب الغدر ويستعملون السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة
والعبوات المتفجرة والقتل ةالسلب والتشريد وتهديم الكنائس وقتل القسس
واغتصاب الفتيات والراهبات، وفي الأخير أفتَوْا بــ 1- اما الاسلام
،2-او دفع الجزية، 3-او التهجير القسري دون حمل اي متاع وحتى الملابس.
واستولو على مئات الدور والمنازل والممتلكات واعتبروها اموال كفرة وهي
حلال زلال على من يدعون الاسلام وهم قتلة مأجورون. هكذا ذُبح اجدادنا
وآبائنا بايادٍ ارهابية بسكوت وصمت مريب للانكليز عام 1933، واليوم
يُذبح الابناء والاحفاد وباياد ارهابية دخيلة وبصمت امريكي وانكليزي،
والحكومة العراقية عاجزة عن توفير الامن لنفسها فكيف لها ان توفر الامن
والاستقرار للآشوريين وخاصة في الدورة التي لا تبعد عن مقر الحكومة
العراقية اكثر من خمسة كيلومترات فقط عبر جسر المعلق والاستدارة على
الجسر ذات الطابقين فدخول الدورة. اليوم من الذي سيسجل للتأريخ هذه
المجازر ضد الآشوريين وعموم المسيحيين ويثبتها في ملفات الامم المتحدة؟
من الذي يطالب بالحقوق القومية للآشوريين والعراق في زمن الديمقراطية
والدستور؟ وقادة احزاب امتنا اليوم في داخل العراق والخارج يتناحرون
ويتلاسنون فيما بينهم، وتمتلأ المواقع الالكترونية واللقاءات
التلفزيونية والنشرات والبرامج التهجم الواحد على الآخر وكل يدعي
الألوهية والزعامة ويخدم مصالح اجندته وفق مخططات مرسومة، وابناء شعبنا
يموتون يوميا، ويعيد التأريخ نفسه بين عام 1933 وبعد سقوط نظام صدام في
2003 ولحد اليوم، حيث التفرقة والانانية وحب الذات والكسب الحرام وشراء
الذمم دون النظر الى تمزق الامة وتفرقها، وهذه الفرصة الذهبية اليوم لن
تعوض ثانية والتي سنحت لامتنا الآشورية بعد مائة عاما، واقول للجميع
انظروا الى الاكراد الذين اقتتلوا وتقاتلوا فيما بينهم منذ عام 1946
وسقط الاف القتلى من الجانبين البرزاني والطالباني حتى نهاية 2002
ولكنهما اليوم توحدا واسسا حكومة اقليم كردستان على اراضي ابائنا
واجدادنا، افلن نتعلم من الذين تعلموا منا؟ ومهما كانت المؤامرات
والدسائس لوأد الامة الآشورية فأُُطَمْئِن الجميع ان امتنا الآشورية
ستبقى حية طالما فيها نبض يدق وعين ترف، وشعبنا كلما كبا نهض واقفا رغم
جروحه النازفة. الامة الآشورية ستبقى في الحداد المُخضب بالدماء حتى
يتوحد ابنائها من خلال قادتهم، وسترون ان ثورة ابناء آشور الاسود اذا
بدأت فستكتسح القادة المزيفين اولا ويعاد بناء امتهم رغم انف المعتدين
والارهابيين ومن يفكر معهم في ابادة الآشوريين من ارض اجدادهم العراق.
ونقول للعالم اجمع ولاخواننا في الوطن العراق من العرب والاكراد
والتركمان والآخرين ان العراق لن يكتمل بقوس قزحه دوننا، واننا مستعدين
ان نطوي صفحة الماضي ونمد ايدينا للعيش في امان واستقرار تحت راية
العراق الموحد دون تفرقة عنصرية او طائفية. وشكرا.
|