الفصل الثاني
الحقوق القانونية والشرعية للاشوريين
في ولاية الموصل
لقد كان الاشوريون، قبل
الحرب العالمية الاولى، مقسمين جغرافيا الى ثلاث مجموعات رئيسية: الذين
كانوا يقيمون في جبال هكاري في تركيا، واولئك المقيمين في السهول غربي
اورمية في ايران، والمقيمين في الوهاد (البلاد المنخفضة) جنوب منطقة
هيكاري، في اقاليم برواري بالا و نروا ريكان في ولاية الموصل في بلاد
بيت نهرين المسماة العراق الان.(1)
تقليديا كانت الحكومة
التركية "تسمح بدرجة كبيرة من الاستقلالية" للاشوريين في منطقة هكاري
(صورة ملونة لهكاري) تحت سلطة بطريرك كنيسة المشرق.(2)
على ابواب الحرب العالمية الاولى، سعت تركيا للحصول على دعم الاشوريين
المقيمين في منطقة هكاري، والتي كانت تعتبر منطقة استراتيجية للاغراض
العسكرية.(3)
طالب الاتراك الاشوريون بدخول الحرب ضد الحلفاء والمشاركة في المعركة
ضد روسيا. تردد الاشوريون وتمنوا البقاء على الحياد. عندها اعلنت تركيا
الحرب على الاشوريين وبدات هجومها بقوتها العسكرية الجبارة لتقضي على
آلاف الاشوريين وتدمر الآلاف من قراهم.(4)
في نفس الوقت، اول
المعارك في هذا الجزء من العالم بدات في منطقة اورمية. تقع اورمية في
النصف الشمالي من ايران والذي يعتبر ضمن منطقة النفوذ الروسي. في عام
1914 هاجم الاتراك الروس في اورمية واجبروهم على الانسحاب حتى كانون
الثاني - 1915. سعى الاشوريون المقيمون في هذه المنطقة للحصول على
الدعم الروسي لمساعدتهم في حماية انفسهم ضد الحملة التركية العنيفة
(الانقضاض التركي)، لكن الانسحاب الروسي تركهم بلا حماية. المؤرخ
الاشوري المعروف القس يول وردا، يقول في كتابه "ضوء آسيا المترجرج
(المضطرب)" بان 100,000 آشوري رحلوا شمالا الى روسيا حيث ما زال الالاف
منهم يقيمون الى يومنا هذا.(5)
بعد
استرداد الروس لـ اورمية واتجاهم شرقا نحو "وان"، اتصلوا بالاشوريين في
منطقة هكاري. لكن المساعدات التي توقعها الاشوريون من الروس لم
تأت أبدا، وبعد ستة اشهر من القتال الذي حصد ارواح الآلاف من
الاشوريين، نزحوا الى اورمية هربا من الهجمات التركية، كما يذكر القس
وردا(6)
وفقا لمفوضية الحدود
التابعة لعصبة الامم، بعد وصول الاشوريون الى ايران "استمروا بمساعدة
الروس الذي شكلوا عدة فرق عسكرية آشورية. هذه الفرق حاربت تحت القيادة
الروسية حتى تفكك الجيش القيصري. احد هذه الفرق كان تحت أمرة (القيادة
المباشرة) للبطريرك الاشوري، كما يؤكد المؤرخ الاشوري يوسف ملك في
كتابه الرائع "الخيانة البريطانية للاشوريين"(7)
في بداية عام 1917 انهارت الجبهة الروسية، ليُخذل الاشوريون مرة آخرى،
مع انه "في بداية عام 1918 شاركت التشكيلات الاشورية القوات الغير
نظامية تحت قيادة الضباط الروس الذي بقوا في ايران للدفاع عن سهول
اورمية وسلامس ضد الاتراك.(8)
في شباط عام 1918 أمر
السلطات الايرانية الاشوريين بالاستسلام والقاء سلاحهم. رفض الاشوريون
ذلك وتمكنوا من الدفاع عن انفسهم. التقى البريطانيون الاشوريون
وطالبوهم الاحتفاظ بمواقعهم، لكن ملك (يوسف) يذكر بان كارثة ساحقة حلت
بالاشوريين على يد سمكو بالتعاون مع السلطات الايرانية وذلك باغتيال
البطريرك الاشوري مار بنيامين شمعون.(9)
بدأ الاتراك هجومهم. وبسبب نفاذ العتاد تراجع الاشوريون الى
همدان، المدينة الواقعة ضمن السيطرة البريطانية في ايران. تقرير
مفوضية العصبة يذكر "تعرض الاشوريون اثناء الانسحاب الى معاناة عظيمة،
الكثير منهم قتلوا في المعركة وآخرين ماتوا من الجوع والتعب. طيلة
الرحلة تعرض الاشوريون لهجمات اعداءهم، يذكر ار. ستافورد بان اكثر من
25,000 آشوري مات في هذا الانسحاب الرهيب في طريقهم الى همدان.(10)
في آب 1918 وصل اللاجئون
الاشوريون (سكان هكاري و اورمية) الى مخيم بعقوبة، مدينة في بيت نهرين
تقع على بعد 30 ميلا من بغداد. الكثير من الرجال تأخروا ليشكلوا اربع
فرق عسكرية (تحت امرة الضباط الانكليز) في مواجهة التهديد التركي لـ
طهران. بعد اعلان الهدنة غادر الرجال الى بعقوبة.
المجموعة الثالثة من
الاشوريين المقيمين في ولاية الموصل. قبل الحرب كانوا يعملون رعاة لدى
اغوات الاكراد. هؤلاء الاشوريين تم ترحيلهم ايضا الى مخيم اللاجئين في
بعقوبة. بعد الهدنة، عاد هؤلاء الى بيوتهم في برواري بالا و نروي
ريكان.
تم توقيع الهدنة بين
تركيا والحلفاء في 30 - تشرين الاول -1918، واصبحت موضع التنفيذ في 31
- تشرين الاول. مع ذلك كانت القوات البريطانية ما زالت تتقدم شمالا في
بين نهرين، يكتب توينبي "في اللحظة التي تقرر فيها وقف الاعمال
الحربية، ما يقارب ربع ولاية الموصل كان تحت الاحتلال البريطاني."(11)
منحت الهدنة الحلفاء "الحق في احتلال اية منطقة استراتيجية قد تسبب
وضعا يهدد أمن الحلفاء"المادة السابعة)، وتشترط على الاتراك تسليم كل
المواقع العسكرية في بيت نهرين (المادة
(16
(12)
كان موقف الحكومة البريطانية ان ولاية الموصل هي جزء من بلاد بيت
نهرين، وفي 7-
تشرين الثاني خضع القائد التركي علي احسان باشا لاوامر القائد العام
بان على جميع القوات التركية مغادرة ولاية الموصل خلال عشرة ايام.
السر ارنولد ولسن،
المندوب السامي البريطاني بالوكالة في العراق اقر هذا التصرف قائلا
"شكرا للقائد العام، فقد رسخنا امرا واقعا وهو مبدأ ان ولاية الموصل هي
جزء من العراق . . . فعلنا ذلك انسجاما مع ايماننا المطلق بان
ذلك يتطابق مع رغبات حكومة صاحب الجلالة والحلفاء، كل ذلك بالنكاية
وليس التزاما ببنود الهدنة التي لم تكن غامضة فقط بل متناقضة مع
التفسير الذي وضعوه في وزارة الحربية.(13)
يقدم فيلب ايرلند ثلاثة
اسباب دعت ولسن "الى اعتبار ضم الموصل الى العراق امرا جوهريا"(14)
احتلال الولاية "دفع الاتراك الى الحدود الطبيعية" و "وضع الموارد
الاقتصادية للولاية من ضمنها مصادر الدخل تحت تصرف العراق".(15)
علاوة على ذلك فان ايرلند يؤكد بان الاحتلال "وضع السكان المسيحيين تحت
الحماية البريطانية، ومن ضمن هؤلاء الاشوريين الذين حملوا السلاح بدعم
من الحلفاء ضد الاتراك".(16)
بالرغم من كون اكثرية الاشوريين لاجئين في بعقوبة، المدينة الواقعة
ثلاثون ميلا شمال شرقي بغداد، احتلال ولاية الموصل من قبل القوات
البريطانية كان ضروريا لتأمين عودة الاشوريين المقيمين في اقاليم
برواري بالا ونروي ريكان في ولاية الموصل قبل الحرب الى مساكنهم
بأمان."(17)
علاوة على ذلك فان
البريطانيون خططوا لجعل جزء من ولاية الموصل متاحا لبقية اللاجئين
الاشوريين والذين معظمهم من جبليي هكاري الذين كانت بيوتهم في الاراضي
التركية. استنادا الى كل هذه الاعتبارات قدم ولسن، المندوب السامي
بالوكالة، مسودة نظام للجنة الادارة المحلية في دائرة الشرق الاوسط في
20 - شباط - 1919. في المسودة، ذكر ولسن ان مقترحاته استندت الى اربعة
أسس. الاساس الذي اعتمده بخصوص حدود العراق كان:
ولاية الموصل ودير الزور
ستُضم الى العراق وكذلك تلك المناطق من كردستان والتي هي الان جزء من
ولاية الموصل والتي لا تشملها حدود دولة ارمينيا المستقبلية، مثلا،
كل حوض الزاب الكبير. وهذا ضروري من اجل شمل الاشوريين.(18)
عندئذ اقترح ولسن بان
يُقسم العراق الى اربعة محافظات، على ان تكون احدها:
الموصل، وتشمل كل ولاية
الموصل وبعض المناطق شمال ولاية الموصل الغير مشمولة بالكيان الارمني
الحديث. بصورة تقريبية، تكون حدود ولاية الموصل الحديثة المجمع المائي
بين بحيرة وان والزاب الكبير. بذلك سيكون الاشوريون في المكان الذي
يرغبون.(19)
هكذا، فأن السبب الرئيسي
الذي قدمه ولسن من اجل ضم الموصل الى دولة العراق الحديثة كان توفير
وطن للاشوريين. وقد وافقت اللجنة على خطة ولسن، وفي 6 - حزيران، ارسلت
الحكومة البريطانية رسالة الى ولسن تعلن فيها:
الاجراءات المقترحة من
قبلكم حول الوضعية الخاصة ضرورية، لكنها تؤشر مرحلة مهمة في تحديد
طبيعة الادارة في المناطق المحتلة، الوضع النهائي يجب تأجيله بانتظار
نتائج السلام مع تركيا والقرار النهائي لمؤتمر السلام في باريس.(20)
بسبب الحاجة الى توطين
اللاجئين الاشوريين، قامت الحكومة البريطانية باحتلال مُطبًق لبعض
الاجزاء من ولاية الموصل. يذكر توينبي
ان مهمة اعادة توطينهم
(الاشوريون) ملحة بالقدر الذي كانت فيه صعبة. الخطة الاولى كانت
اسكانهم في منازل جديدة في اقليم العمادية، ضمن حدود ولاية الموصل، حيث
تكون مهمة حمايتهم اسهل فيها من مناطقهم الاصلية الابعد شمالا حيث
يتعذر الوصول اليها، وبسبب هذا الاعتبار، تم وضع اقليم العمادية تحت
الاحتلال البريطاني المباشر (الفعال) خلال الاشهر الثلاثة الاولى من
عام 1919.(21)
لاحقا ثار اعداء
المسيحيين في اقليم العمادية ليغصبوا الانكليز على التخلي عن خطتهم. في
ربيع 1920، اقترح القائد الاشوري الجنرال آغا بطرس تاسيس كيان
آشوري فاصل على طول الحدود التركية - الايرانية، وافقت السلطات
البريطانية على الخطة وكذلك اكثرية الاشوريين ولكن الخطة سقطت في
النهاية.(22)
القس وردا في "مطالب
الاشوريين قبل تحضيرات السلام في باريس" دافع ببراعة عن الحقوق الشرعية
للشعب الاشوري من اجل الاستقلال:
. . . محاطين من كل جانب
باعداد كبيرة من الاعداء، قليلي السلاح والعتاد، وجها لوجه امام
الابادة الجسدية الشاملة بسبب الانحياز الى جانب الحلفاء، مقدمين الاف
الضحايا في المعركة، فاقدين عشرات الآلاف بسبب المجاعة الساحقة
والاوبئة، فان الاشوريون لم يترنحوا (يهتزوا). خلال كل متغيرات الحرب
وتقلب موازين قوى الحرب، وحتى بعد انهيار روسيا، قاتل الاشوريون الى
جانب الحلفاء، تحملوا كل ذلك من اجل الحرية لكل الاشوريين.
ان الاستقلال الذي
ينشدونه الان ليس صدقة او احسانا، انهم يطالبون به ناشدين العدالة
والمساواة. لقد دفعوا ثمنه انهارا من الدم أريقت في ساحات المعارك. في
كردستان، في تركيا، في ايران، في روسيا، في بولندا وفرنسا تربض قبور
الاشوريون، انها لا تشمخ شاهدة على شجاعتهم فحسب لكن ايضا ترمز الى
الثمن الباهض الذي دفعوه من اجل استعادة ديارهم ومن اجل حرية شعبهم.
ان الشعب الذي فقد ثلث
قدرته العددية تقريبا بسبب الدور الذي لعبه في الحرب العالمية الاولى،
انه بالتاكيد يستحق الاقرار بوجوده وباستقلاله، خاصة في زمن
الاشهارات (الاعلانات) السياسية التي نادت باستمرار على تقلد السلطة في
المرحلة الجديدة، حيث ان مبدأ تقرير المصير يجب الاقرار به كحق مقدس
واصيل من حقوق البشر.
المساحة الاصلية للاراضي
الاشورية بلغت 000،250 ميل مربع. القوى الاجنبية احتلت البلاد، وغرست
عناصر اجنبية في الاراضي المصادرة حديثا. مع ذلك فان الاسم وباية
لهجة نُطق به يعبر عن الانتماء الابدي، وكاشفا الحقيقة ان الوطن يعود
الى الاشوريين. وميزان العدالة لا يمكنه ان يتغابى ويغفل تلك
الحقيقة. والاشوريون على اية حال لا يدعون الان ملكية كل المناطق
الاصلية. ولكنهم يطالبون بذلك الجزء الذي يقع في اعالي بيت نهرين، حيث
يتواجدون باعداد كبيرة . . .
(23)
كان على البريطانيون
إسكان الاشوريون في بعقوبة، في الوقت الذي كانوا ينظرون الى ولاية
الموصل كـ أقليم للاستيطان. يذكر توينبي:
في عام 1921 تم رسم خطة
جديدة لتوطين الاشوريين تحت الاشراف البريطاني، وبالاتفاق مع الاكراد
المحليين، ام في ديارهم الاصلية او بالقرب منها في المناطق المناسبة
التي يمكن تأسيسها لهم، ابتداءا من الذين تقع بيوتهم بالقرب من
العمادية واخراجهم من المخيم الرئيسي عشيرة بعد آخرى على التوالي. هذه
الخطة صادفت عقبات بسبب مجهولية مستقبل الحدود. كل الاشوريون كان
موافقون على البقاء ضمن المحيط (الحكم) البريطاني، لكن . . .
بيوت اكثرية الاشوريين كانت تقع الى الشمال من الحدود الشمالية لولاية
الموصل، ان معاهدة سرفرس الموقعة 10 - آب - 1920، رسمت الحدود ابعد
جنوبا بحيث اصبح اقليم العمادية يقع ضمن السيادة التركية.(24)
في هذا الوقت قويت شوكة
حركة القوميين الاتراك، وفي كانون الثاني - 1920 أقر البرلمان التركي
وثيقة قومية "تطالب صراحة او ضمنا باستعادة ولاية الموصل" مع ذلك استمر
البريطانيون بنظام الاستيطان. وفقا لـ توينبي:
اصحيحا كان ذلك ام خطأ
فان الافتراض الذي كان قائما هو ان تعديلا سيجري على الحدود، وبذلك
ستكون ولاية الموصل تابعة للعراق في آخر الامر. على اساس هذا الافتراض
فان عملية الفصل كانت في طريقها الى التنفيذ، على امل الدعم والاسناد
اثناء العملية وان لا يُوضع الاشوريون المسيحيون مرة آخرى تحت رحمة
الاتراك المنعدمة. اثناء هذا الصيف، تم اسكان كل الاشوريين تقريبا
بنجاح تحت الرعاية البريطانية، البعض منهم في سهل الموصل، آخرون على
سفوح تلال دهوك، قسما على جبال العمادية والذين كانت بيوتهم القديمة
قريبة من حدود الولاية من الداخل او الخارج أُعيدوا اليها.(26)
منذ البداية، عمل
الاشوريون كمقاتلون مدافعون عن دولة العراق الحديثة. يذكر ولسن بان في
عام 1919 تطوع ما يقارب من الفي آشوري في قوات الليفي، صفوة المقاتلين
الذين نظمهم البريطانيون. كان الاشوريون "منتظمون في فرقتين للدفاع عن
حدود الموصل، كانوا على اعلى مستوى من الكفاءة القتالية . . . واثناء
عام 1919 وفي الاعوام اللاحقة قدموا خدمات لا تقدر بثمن باعتبارهم
القسم المتمم للقوات الدفاعية العراقية، تحت القيادة المباشرة للمندوب
السامي.(27)
احتال البريطانيون على القوات الاشورية ليخمدوا ثورة الاكراد في شمال
الموصل بسبب كون الاشوريون اهل دراية بجبال المنطقة. في آب 1919 حاولت
القوات البريطانية اخماد ثورة الاكراد في اقليم العمادية. في المنطقة
التي "كثيفة الغابات كثيرة الجبال وعرة اشبه ما تكون بمنطقة الحدود
الشمالية الشرقية في الهند.(28)
طبيعة القتال المطلوب كانت "جديدة كليا على اغلبية" القوات البريطانية
المستخدمة، و "الفرقة الاشورية المكونة كليا من الاشوريين المسيحيين
الجبليين تحت أمرة ضباط آشوريين وبرطانيين، أُرسلت من بغداد. يكتب
الجنرال ماكمان بانهم ‘اثبتوا’ كونهم افضل من يقف الى جانب قواتنا،
ممتازون في مواجهة تكتيكات الاكراد.(29)
في أيلول عام 1920 ثار
اكراد منطقة عقرة ضد السلطة البريطانية. يذكر ولسن بان الثوار كانوا
في وضع لم يستطع الطابور
القادم من الموصل ان يحقق اي انتصار عليهم او ان يهزمهم نهائيا الى ان
قام 600 منهم، لسوء حظهم، بمهاجمة مخيم للاجئين الاشوريين على
بعد 30 ميلا شمال شرق الموصل. بالرغم من قلة عدد الاشوريين الا انهم
هاجموا الاكراد . . . وفي هذه الاشتباكات تكبد الاكراد خسائر اكبر من
كل تلك التي قدموها اثناء الحملات التأديبية ضدهم من قبل القوات
النظامية في 1919 - 1920. "لكن لولا هذا الدعم الكلي" يقول
الجنرال هلدن، كان من الممكن ان تعم الفوضى قسم كبير من منطقة
الموصل . . . هذه الضربة الناجحة التي جاءت في الوقت المناسب كانت
ثمينة جدا، واصبح بامكان الجنرال هلدن ان يركز اهتمامه على منطقة
الفرات الاوسط منطقة ديالى . . .
(30)
في عام
1923،
كانت تركيا ما تزال تحتل اقليم راوندوز في القسم الشمال الشرقي من
ولاية الموصل. عندما حاولت بريطانيا تأسيس حكومة كردية في المنطقة
المجاورة للسليمانية. حيث قامت فرقة عراقية - بريطانية باحتلال
المنطقة. هذه الفرقة احتلت راوندوز من الاتراك في 22 - نيسان - 1923،
يذكر توينبي "في هذه العملية، برع الاشوريون مرة آخرى".(31)
بدأ مؤتمر لوزان عمله
في 20 - تشرين الثاني - 1922 وفي جدول اعماله مستقبل الحدود بين تركيا
والعراق. تم التوقيع على معاهدة لوزان في 24 - تموز - 1923. المنطقة
المحتلة من قبل بريطانيا وتركيا في هذا التاريخ اصبحت منطقة حدودية
مؤقتة تعرف بـ "خط بروسلس،" والتي اصبحت في آخر الامر الحدود الدائمية
بين تركيا والعراق. من الواضح ان القوات الاشورية كانت وراء حصول
العراق على الجزء الاكبر من مغانمه من الارض اذ لم يكن سيحصل عليها
لولا ذلك، اذ (1)
قام الاشوريون بمساعدة بريطانيا في المحافظة على الاجزاء الشمالية من
ولاية الموصل، (2)
ساهم الاشوريون في طرد الاتراك من راوندوز وضواحيها، المنطقة التي
اصبحت لاحقا جزءا من العراق،
(3)
طرد القوات التركية من راوندوز فصل منطقة اقليم السليمانية، الذي كان
تحت سلطة حاكم تركي، من الاراضي التي كانت تحت ادارة الحكومة التركية،
هذا سمح لبريطانيا لاحتلال المنطقة بعد التوقيع على معاهدة لوزان.
المادة الثالثة من
معاهدة لوزان اشترطت:
ترسم الحدود بين تركيا
والعراق بطريقة ودية على ان تختم بين تركيا وبريطانيا العظمى
خلال تسعة اشهر. في حال عدم الوصول الى نتيجة بين الحكومتين خلال
الفترة المحددة، فان الخلاف ينقل الى مجلس عصبة الامم. الحكومتان
البريطانية والتركية ستتولى ذلك بشكل متبادل، اثناء عملية الوصول
الى قرار حول موضوع الحدود، لن يكون هناك تحرك عسكري او اي تحرك آخر من
شأنه تغيير الوضع الحالي للاراضي الاقليمية باي شكل يؤثر على الوضع
النهائي للاراضي موضوع البحث.(32)
في احد المؤتمرات
السابقة للتوقيع على معاهدة لوزان، كتب اللورد كورزون مذكرة معنونة الى
التركي عصمت باشا في 11 - كانون الاول - 1922، يذكر "ان الاشوريون
الذين اكرهتهم القوات التركية على ترك ديارهم في منطقة جولامرك والحدود
الايرانية اثناء الحرب، ومات منهم الالاف اثناء نزوحهم الى العراق،
واستقروا هناك، سيقاتلون حتى الموت على ان يسمحوا لاعدائهم وادوات
ظلمهم واضطهادهم ان يستولوا على ديارهم الجديدة." وقد اكدت الحكومة
البريطانية على ان وجود الاشوريين في مناطقهم الجديدة في ولاية الموصل
يعتبر علما مهم من اجل ضم منطقة الموصل الى العراق بدلا من تركيا.
في ايار - 1924 طبقا
لمعاهدة لوزان، اجتمعت الاطراف المعنية في قسطنطينوبولس. في هذا
المؤتمر تم طرح قضية الاشوريين الذين استقروا في شمال حدود الولاية.
طبقا لما ورد في تقرير مفوضية الحدود في عصبة الامم
في بداية نيسان - 1924،
الحكومة البريطانية ابلغت الحكومة العراقية بنيتها في المطالبة
بالتنازل للعراق عن جزء من الاراضي الاشورية . . وسؤال حكومة بغداد
لتكون جاهزة لتوفير الشروط الملائمة للاشوريين الذين لم يتم اسكانهم
لحد الان في الاراضي المهجورة من المناطق الشمالية. ايضا سالت الحكومة
البريطانية عما اذا كانت الحكومة العراقية مستعدة لتضمن للاشوريين نفس
الاستقلال المحلي الذي كانوا يتمتعون به قبل الحرب في ظل السلطة
التركية. رد الحكومة العراقية الذي قدمته في 30 - نيسان كان
ايجابيا.(34)
لذلك جادلت الحكومة
البريطانية من اجل تمديد الحدود العراقية لتشمل جزءا من ولاية هكاري.
السر برسي كوكس ممثل بريطانيا الى المؤتمر فسر اقتراح الحدود بانه
"يسمح بتوطين الاشوريين في منطقة مأهولة . . . وان لم يكن في موطن
اسلافهم فعلى الاقل في المناطق المجاورة المناسبة.(35)
على الرغم من كون الخط
البريطاني لم يشمل منطقة الاشوريين ما قبل الحرب لكنه شمل مناطق من
ولاية هكاري استعادها الاشوريون في 1921 بموافقة ومساعدة بريطانيا.
السر برسي كوكس جادل بانه "في المنطقة الاضافية التي الحقت بالعراق
شمال حدود ولاية الموصل، نادرا ما تواجدت السلطة التركية."(36)
انتهى المؤتمر في 5 -
حزيران - 1924، بدون التوصل الى اتفاق بين الطرفين. في 6 - حزيران -
1924 احالت مسألة الحدود الى عصبة الامم. مرة آخرى اثارت بريطانيا
المسألة الاشورية. في المذكرة المؤرخة في 14 - آب - 1924 والمقدمة الى
السكرتير العام في 20 - ايلول، ذكرت الحكومة البريطانية:
منحت حكومة صاحب الجلالة
البريطانية اهتمامها وتعاطفها مع الرغبة اليقينة لتشمل الحدود العراقية
قدر الامكان موطن الاشوريين الاصلي. على ان يوازنوا بين الاعتبارات
القومية والسياسية من جهة والاقتصادية والجغرافية والاستراتيجية من
الجهة الاخرى. لكنهم توصلوا مكرهين الى نتيجة على ان يفضلوا
الاعتبارات الاخيرة عند النظر في مسألة الوطن الاشوري الذي يقع الى
الشمال من الحدود المقترحة . . . لرسم الخط ابعد جنوبا في هذه المنطقة
سيفصلهم عن المناطق الفقيرة والغير استراتيجية التي تسبب الرعب
بين الاشوريين حيث لا يجدون بديلا بل ملجأ وهو الهجرة الجماعية او
القتال حتى الموت دفاعا عم مبادئهم. السلام والرخاء الاقتصادي في هذه
المنطقة الحدودية سيكون مستحيلا.(37)
في آب - 1924، وعندما
كان الوالي التركي مارا في منطقة هكاري احتجزه بعض الاشوريون الذين
اعادوا الاستيطان هناك. القوات التركية ثأرت بالهجوم على القرى
الاشورية التي أُعيد بنائها، هذا الحدث اجبر ثمانية الاف آشوري للنزوح
جنوبا الى المناطق الواقعة تحت الاحتلال البريطاني - العراقي فوصلوا
العمادية كـ لاجئين.(38)
في الرسالة المقدمة الى
عصبة الامم في 20 - ايلول - 1924، احتجت الحكومة التركية بان الحكومة
البريطانية استعملت الطائرات في مهاجمة القوات التركية التي استخدمت في
مطاردة الاشوريين.(39)
في 30 - ايلول، ردت الحكومة البريطانية بانها استخدمت الطائرات بسبب
"كان واضحا و بلا ريب ان القوات التركية تجتاح الاراضي الواقعة تحت
ادارة حكومة صاحب الجلالة في يوم توقيع معاهدة لوزان متجاهلين باصرار
شروط الوضع القائم. في 22 - ايلول، افاد المندوب السامي بان
كتائب من الشرطة العراقية والليفي . . . قد تراجعت الى العمادية.
وقد رافقتهم مجموعات كبيرة من الاشوريين المسيحيين والعشائر العراقية،
وكانوا يتوافدون على العمادية باعداد كبيرة."(40)
هكذا وبالرغم من من كون معاهدة لوزان قد تضمنت "لا عملا عسكريا او اي
نشاطا سيحصل مسببا تعديلا باية طريقة في الوضع الحالي للاراضي"
بريطانيا وتركيا لم يتفقا على اي خط سيكون الحد الفاصل الذي يرسم الوضع
النهائي. ومن اجل حل هذا الخلاف، قرر مجلس العصبة، في اجتماع بروسلس في
19 - تشرين الاول، الالتزام بخط حدود مؤقت الى حين تثبيت خط نهائي.(41)
ان الخط المرسوم هو "الوضع الاقليمي في المنطقة موضوع الاهتمام في وقت
توقيع معاهدة لوزان."(42)
(خط بروسلس، ويشار اليه بخط غامق اللون على الخريطة.) ان توينبي يلاحظ
ان ما يسمى "خط بروسلس"
لم ينحرف كثيرا عن الخط المرسوم شمال ولاية الموصل والذي تصفه الحكومة
البريطانية بانه يحدد البعد الشمالي للاحتلال العراقي - البريطاني
والسلطة المحددة بموجب الوضع القائم باتفاق 24 - تموز - 1923 (معاهدة
لوزان). كانت النتيجة وضع سنجاق - السليمانية تحت الاحتلال العراقي -
البريطاني وان تضم اليها جزءا من المنطقة المسماة "منطقة بلا سلطة" في
هكاري شمال الحدود السابقة للولاية، ووضع بقية منطقة هكاري "منطقة بلا
سلطة" تحت السيطرة التركية بالاضاقة الى بعض الاراضي من جهة حدود
الموصل السابقة.(43)
في 30 - ايلول - 1924،
شكل المجلس مفوضية لتقديم معلومات واقتراحات بخصوص الحدود.(44)
بعد زيارة المنطقة رفعت المفوضية تقريرها الى المجلس في 16 - تموز -
1925.
تقرير المفوضية اقترح ان
يعتبر "خط بروسلس" كـ حدود دائمية بين العراق وتركيا. بذلك تكون الـ
87,890
كيلومتر مربع جنوب خط بروسلس والتي تدعيها تركيا جزءا من العراق، و
3,500
كيلومترمربع شمال الخط والتي تدعيها بريطانيا جزءا من تركيا.(46)
الوجود الاشوري في ولاية
الموصل كان عاملا هاما في قرار المفوضية بالحاق كل الولاية بالعراق.
بعد الاشارة الى ان "شددت الحكومة التركية على اهمية رغبات السكان في
موضوع الاراضي المتنازع عليها" وان " الحكومة البريطانية تستند في
موقفها السياسي الى حد كبير الى ارأء الناس كما يعبرون عنها" قامت
بتلخيص اراء فئات مختلفة القومية من سكان ولاية الموصل.(47)
لم تجري المفوضية اي
استفتاء. وفي تقريرها ذكرت "منذ وقت مبكر من مؤتمر لوزان اوصت الحكومة
التركية باجراء استفتاء بين الاهالي اصحاب العلاقة كـ طريقة مناسبة
وحيدة لحل الخلاف، في الحين الذي بدت فيه الحكومة البريطانية تفضل
تشكيل مفوضية لجمع المعلومات التي يُعتقد انها مهمة."(48)
بعد ان شكل مجلس عصبة الامم المفوضية، عبر الوفد التركي عن رأيه في
تفضيل الاستفتاء وطالب المفوضية بالبدأ بالتحقيق من اجل تقرير عما اذا
كان الاستفتاء عملية مناسبة.(49)
طالبت الحكومة التركية
بان يمنح اهالي ولاية الموصل "فرصة حرية تقرير مصيرهم" كما حدث لعدد من
الشعوب المتنازعة في اوربا. ردت الحكومة البريطانية بـ (1)ان الاهالي
يفتقرون، بسبب الامية، الى الوعي باهمية العوامل الاستراتيجية
والجغرافية والاقتصادية والادارية، (2)من الصعب ايجاد قوى كفؤة
محايدة لضبظ الامن، (3)سيخشى المقترعون انتقام الاتراك اذا عادت
المنطقة الى تركيا، (4)ان قضية رسم الحدود لا يمكن حلها بالاقتراع،
(5)بصورة عامة يمكن القول بان راي الاهالي يميل نحو العراق، (6)الحكومة
البريطانية لم تطالب بحدود شمال تلك الموجودة بسبب استحالة اجراء
استفتاء، لكن اذا
كان الاستفتاء مقبولا
كاحسن طريقة للوصول الى حل، فان الحكومة البريطانية تجد نفسها مقيدة
باهمال الاسباب التي حفزتها لاستثناء مساحات كبيرة الى الشمال من ولاية
الموصل من دولة العراق، عندها ستدعو الى استفتاء يجري في هذه المناطق
ايضا. ان المنطقة المشار اليها تعتبر جزءا من الموطن الاصلي للاشوريين،
وكذلك ستشمل موطن بعض العشائر الكردية التي فاتحت الحكومة العراقية
بواسطة عدد من العشائر العربية. وكذلك بعض الاشوريين الذين كانوا
يقيمون سابقا في المنطقة واليوم بعضهم يقيم في العراق والبعض الاخر
مشتت في روسيا وقفقاسيا ومناطق آخرى. من الطبيعي ان يكون مهما التعرف
على آراءهم. على اية حال لن يكون من العدل تبني الاقتراحات التركية بان
يقتصر الاستفتاء على ولاية الموصل.(50)
رفضت المفوضية الطلب
التركي للاستفتاء على اساس ان قوة شرطة وادارة محايدة وفعالة لا يمكن
تأمينها، وان التصويت "يصعب جدا ان يعكس رغبات الناس اذ انهم سيصوتون
كما يأمرهم رؤساء عشائرهم او تحت تاثير "الخوف من انتقام الحكومة."(51)
اثناء تفقدهم ولاية
الموصل، قابل اعضاء المفوضية عدد كبير من الاهالي في المنطقة. بخصوص
الاشوريون يذكر التقرير:
كان الاشوريون متلهفون
للاستقلال كما كانوا يعيشون قبل الحرب. فقد طالبوا بان يوضعوا تحت
الحماية او الانتداب الاوربي ويفضلون البريطاني. اذا لم يكن تحقيق كل
رغباتهم ممكنا فانهم مستعدون للتضحية من اجل كيان مستقل ذو سيادة
يمنحهم سلطات واسعة من الحكم الذاتي. انهم يعارضون ان يخضعوا مرة آخرى
للحكم التركي.(52)
من جانب آخر، فان
المسيحيين الذين قابلتهم اللجنة يعتقدون
"من الامور الاساسية ان
يصان الانتداب الاوربي، فاذا كان هذا النوع من الادارة على وشك النهاية
فانهم يفضلون الحكومة التركية على حكومة عربية كاملة الاستقلال."(53)
كما لاحظت المفوضية ان بعض الشهود ترددوا في اعطاء آراءهم في تفضيل
العراق "بسبب خوفهم من انتقام الاتراك الذين سيعودون الى البلد،
. . . هذا الخوف لم يمنع اي شاهد مسيحي من التعبير عن آراءه".(54)
اما آراء باقي الجماعات
كالاكراد فقدت كانت منقسمة، البعض اقترح دولة كردية مستقلة تحت الحماية
الاوربية، البعض الاخر فضل الحكومة التركية، في حين استمر آخرون في
تفضيل الحكومة العربية مع او بدون الانتداب البريطاني. مع ان بعض العرب
ارادوا الحكومة العراقية لكن الكثيرون كانوا يؤيدون الحكومة التركية،
والقسم الثالث أيد الحكومة العراقية بالاضافة الى "التحمس الشديد
بالدعوة الى انهاء الانتداب والمعاهدة العراقية - البريطانية في اقرب
وقت ممكن. والبعض الاخر اضاف بانه يفضل الدولة العربية تحت الانتداب
التركي او تلقي مساعدة مستشارين اداريين اجانب.(56)
في استنتتاجها، تذكر
المفوضية:
نزولا عند التحفظات
المذكورة في التقرير بخصوص الاراء المقدمة، ان الحقيقة المؤكدة، هي ان
الاستيلاء على الاراضي ككل، كانت رغبة الاهالي المتعاطفين مع العراق
اكثر من تركيا. يجب على اية حال الاقرار بان مشاعر اكثرية الناس كانت
تحت تاثير الرغبة في دعم فعال تحت الانتداب والاعتبارات
الاقتصادية، بدلا من اي شعور بالتضامن مع المملكة العربية، فاذا لم يكن
لهذين العاملين اي وزن عند الاشخاص الذين تم استشارتهم فمن المحتمل ان
اكثريتهم كانوا سيفضلون العودة الى تركيا بدلا من الحاقهم بالعراق.(56)
الاستنتاج النهائي كان
المناقشات الهامة، خاصة
ذات الطبيعة الاقتصادية والجغرافية، والمشاعر (حيث اعلنت في كل
التحفظات) لاكثرية المواطنين في الاراضي المحتلة بشكل كامل، كانت في
مصلحة الاتحاد مع العراق في كل المنطقة جنوب "خط بروسلس" والتي خضعت
للشرطيين التاليين:
1- يجب ان تبقى الاراضي
تحت الانتداب الفعال لعصبة الامم لفترة قد تكون 25 عاما.
2- يجب احترام الرغبات
التي ابداها الاكراد بخصوص تعيين مسئولين من اصل كردي لادارة وطنهم . .
.(57)
حيث ان المنطقة موضوع
الخلاف كانت "مسكونة من قبل المسيحيين والاكراد والعرب والاتراك
واليزيديين واليهود حسب الترتيب العددي،"(58)
وحيث ان رأي المواطنين كان عاملا مهما في تقرير مصير ولاية الموصل، فان
الوجود الاشوري (الذي مثل معظم المسيحيين) ورغبتهم المطلقة للالحاقهم
بالعراق تحت انتداب العصبة كان العامل الاهم لضمان ضم ولاية الموصل الى
العراق. حقا، ان توصية المفوضية بضم ولاية الموصل الى العراق، والتي
اشترطت استمرار انتداب العصبة، كانت مطابقة تماما لرأي الاشوريين
المقيمين في تلك المنطقة.(59)
اهتمام المفوضية
بالاشوريين وحريتهم كان واضحا في نهاية التقرير:
نحن نشعر بانها
مسئوليتنا لنشير الى ضمان إعادة توطين الاشوريين في المناطق التي
استولوا عليها عمليا ان لم يكن رسميا، قبل الحرب. ايما كانت الدولة ذات
السيادة، فانه يجب منح الاشوريين استقلالا محليا محددا، معترفين بحقهم
في تعيين مسئوليهم الذين يقنعون بما يقدم لهم من خلال ممثل بطريركهم.(60)
عندما اجتمع مجلس العصبة
لمناقشة تقرير المفوضية في
3
- ايلول - 1925، ناقش الممثل البريطاني موضوع كون الوجود المسيحي في
شمال مدينة الموصل سببا مهما لعدم تبني الحدود جنوب التي اقترحتها
المفوضية:
انا اشير الى . . .
الاقتراحات المقدمة بخصوص تقسيم الاراضي جنوب خط بروسلس بين تركيا
والعراق، الاقتراح الذي منحه اعضاء المفوضية اهمية اكبر هو شمول خط
الزاب الصغير كحدود محتملة . . . من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية،
اي خط الى الجنوب من خط بروسلس براي المفوض يعتبر اسوأ من ذلك الخط . .
. اكثر من ذلك، من الناحية القومية ورغبات الاهالي، فان تقسيم كهذا
سيكون ظلما وعدوانا على جميع الاطراف المعنية. لانه سيفصل من العراق
القسم العربي من الموصل وكذلك عدد كبير من الاشوريين الذين يرغبون
بالبقاء في العراق، وسيبقى قسم كبيرا من الوجود التركي في ولاية الموصل
منفصلا عن تركيا. . .(61)
لاحقا في عرضه، اكد
الممثل البريطاني بانه يجب ان يكون الخط الفاصل للارض المتنازع عليها
جنوب خط بروسلس، بالنسبة للاشوريين المقيمين شمال هذه الحدود"سيكون رعب
فوري ونزوح الشعب الاشوري الى العراق."(62)
اختتم الممثل بالطلب من المجلس باعادة النظر في الاراضي الاضافية التي
تطالب بها بريطانيا في مؤتمر القسطنطينة:
في 4 - ايلول، عين
المجلس لجنة فرعية مكونة من ثلاثة اعضاء من العصبة، من ضمنهم م. اوندين
مقرر اللجنة، ليحقق في موضوع الحدود باحكام.(64)
بدأ الخلاف الجديد خلال جلسة عام 1925. في سلسلة رسائل مرسلة الى
السكرتير العام للعصبة، الاولى قُدمت في بتاريخ 3 - ايلول، حيث زعمت
الحكومة البريطانية ان تركيا قامت بترحيل الكلدان المسيحيين المقيمين
في المنطقة بين خط بروسلس والحدود الشمالية التي تدعيها بريطانيا
العظمى، وهذه مخالفة لمعاهدة لوزان.(65)
في الرسالة المؤرخة 21 - ايلول، طالبت بريطانيا المجلس "بارسال الممثل
او الممثلين الى موقع خط بروسلس اذ قد يتطلب الامر ذلك لغرض التحقيق
الان في الاتهامات الموجهة من قبل الحكومتين . . ."(67)
في 24 - ايلول، تبنى المجلس قرارا بارسال ممثل الى المنطقة،(68)
وفي 28 - ايلول، عين المجلس الجنرال ليدونر من استونيا.(69)
الجنرال ليدونر قرأ
تقريره الى المجلس بتاريخ 10 - كانون الاول - 1925. مع ان الحكومة
التركية رفضت السماح لـ ليدونر ومساعده للتحقيق في المنطقة شمال خط
بروسلس، وقد استطاعوا ايجاد ادلة من خلال مناقشة اللاجئيين الذين عبروا
جنوب الخط. حسبما ذكر ليدونر:
في الوقت الحاضر يوجد في
اقليم زاخو حوالي
3,000 مسيحي
مُبعد، وفي كل يوم كانت تصل مجموعة جديدة من المبعدين الى العراق.
هؤلاء اللاجئون كانوا يصلون من القرى الواقعة في المنطقة بين خط بروسلس
والخط الذي رسمته الحكومة البريطانية، وكان هنالك ايضا بعض الذين جاءوا
من القرى الموجودة شمال الخط الاخير . . . كل اقوال اللاجئين متفقة
تماما ويمكن تلخيصها:
(1)
قام الجنود
الاتراك وبأمرة الضباط باحتلال القرى، جمعوا السلاح اولا ثم فرضوا
الجزية (الاتاوات) واغتصبوا النساء، سلبوا البيوت وقاموا بتعذيب
الاهالي الى حد اقامة المجازر.
(2) الترحيل كان جماعيا
. . . اثناء عملية الترحيل، في الطريق، تعرض عدة اشخاص للامراض
وعُزلوا، وآخرون ماتوا من الجوع والبرد، لانهم عندما تركوا بيوتهم
تخلوا عن كل شئ ولم يستطيعوا حمل طعام او لباس . . . اكثر من ذلك فقد
رأينا بأنفسنا كل هؤلاء الذين وصلوا كانوا في حالة مزرية تماما.(70)
اختتم لايدونر "من بين
كل الحوادث التي وقعت في منطقة خط بروسلس، تبقى عمليات ترحيل المسيحيين
الحادث الاهم، خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان عددا كبيرا من الاهالي
رُحلوا عن قراهم وان عمليات الترحيل هذه ما زالت مستمرة . . ."(71)
اكثر من ذلك، اعتبر ليدونر ان عمليات الترحيل "كانت اهم بشكل مطلق" من
الادعاءات الاخرى لان "عمليات الترحيل هذه سببت بشكل جدي وسريع هيجانا
وقلقا، ليس من الصعب ادراك خلفياته، بين الاهالي المسيحيين المقيمين
جنوب خط بروسلس وفي ولاية الموصل، وكذلك بين الاهالي المسلمين في
الموصل الذين تعاطفوا مع مطالب العراق.(72)
وفقا لتونبي "من
المعتقد ان هذا الاجتماع كان له تاثيرا حاسما على تفكير م. اوندين،
مقرر المجلس الذي كانت من محاسنه انه يفضل، حتى هذه اللحظة، قرار تسوية
. . . "(73)
اذا الكلدان وهم آشوريون
ولكن دينيا متحدين مع روما مضطهدين من قبل الاتراك، فيمكن تصور وضع
الاشوريين المقيمين في الاقسام الشمالية من ولاية الموصل وهم يشاركون
المجلس نظرته في تبني تسوية بمنح تركيا قسما من الموصل.
في 16 - كانون الاول،
قدم م. اوندين تقريره الى المجلس بالنيابة عن اللجنة الخاصة التي شُكلت
للتحقيق في موضوع الحدود.(74)
يذكر م. اوندين:
اعضاء اللجنة توصلوا الى
استنتاج بان هناك حلين محتملين:
(1)
حصة العراق هي
كل الاراضي جنوب "خط بروسلس".
(2)فصل كل الاراضي
المتنازع عليها بخط يجري في معظمه مع مجرى الزاب الصغير. بالنظر
للنعقيدات الكبرى للمشكلة والمسئوليات الخاصة لمجلس عصبة الامم، التي
الىاتخاذ قرار في موضوع فائق الاهمية، فان اعضاء اللجنة اعتقدوا بانهم
سيستفيدون من استشارة زملائهم. في النهاية، بعد الاخذ بنظر الاعتبار كل
المناقشات والعوامل المذكورة اعلاه ، فان اول الحلول، في الواقع، بدا
الافضل للتبني هو حل المشكلة المقدمة الى المجلس تحت الفقرة 3 من
معاهدة لوزان.(75)
صوت المجلس بالاجماع
لتبني اقتراحات اللجنة، وبذلك اصبح خط بروسلس الحدود الدائمة بين تركيا
والعراق.(76)
شكر المندوب البريطاني هؤلاء الذين شاركوا في عملية صنع القرار ووعدوا
بان بريطانيا ستطيع القرار النهائي، وأوضح "أسفه لعدم تمكن المجلس
لقبول المقترحات لتقويم الحدود الحالية، التي ستكون افضل من الناحية
الادارية والستراتيجية، والتي كانت ستمنح الامن والطمأنينة
للاجئين الاشوريين في بيوتهم وكذلك للكلدان الذين اصبح مصيرهم المحزن
من الان فصاعدا في تقارير لجنة الجنرال ليدونر."(77)
|