سنة 1622م شهدت نهاية
عصر وبداية آخر بالنسبة الى النشاط التبشيري الكاثوليكي. إذ قبل هذا
التاريخ كانت روما تعتمد في تبشيرها، ونشر هيمنتها، على أساليب قديمة
قائمة على جهود أفراد، وفرق تفتقر الى هيكل منظم يوجه نشاطها. فالفرق
الكاثوليكية العديدة كانت تقوم بالتبشير حسب اجتهادها الخاص الأمر الذي
عكس الكثير من الفشل وخيبة الأمل في تحقيق ما يسميه المؤرخون توسيع
"الامبراطورية البابوية". فقد ظلت هذه المحاولات تسجل الفشل المستمر في
جميع القارات التي كانت كنائسها مستهدفة لاسيما الكنائس المشرقية التي
طالما وسمت بالهرطقة بعد مجمعي أفسس وخلقدونية 431م و451م. ولكن منذ
سنة 1622م استبدلت روما اسلوبها القديم واعتمدت اسلوباً جديداً في
سعيها للسيطرة على الكنائس الوطنية. فمنذ ذلك التاريخ أنشأت مدرسة
مهمتها تأهيل كوادر تبشيرية من المسيحيين الوطنيين بغية إرسالهم الى
أوطانهم بعد تأهيلهم بعقيدتها. من هنا يمكن التأكد على أن الجهد البشري
الكاثوليكي وسط الكنائس الوطنية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية
ينقسم الى مرحلتين مميزتين هما:
الفترة الأولى:
فترة الاستعمار القديم والمتمثل بالحملات الاستعمارية التي كانت تقوم
بها شبه جزيرة إيبريا (إسبانيا والبرتغال) تحت القيادة المباشرة
للباباوات. هذه الفترة تركت الكثير من شواهدها المأساوية لما ألحقته
بالكنائس الوطنية، ومؤمنيها من دمار ومذابح، وإذلال. وتعتبر هجمة روما
ضد كنيسة المشرق بمساعدة فرنسا خير نموذج لازدواجية الجهد الاستعماري
القديم. فكنيسة المشرق بكل تأكيد نالت حصة الأسد من هجمات هذه المرحلة
حيث شهدت السواحل الشرقية للهند في ملبار نموذجاً قاسياً حيث استخدمت
القوة العسكرية الغاشمة للمستعمرين الأسبان والبرتغاليين لفرض الكثلكة
على مؤمني ملبار وغيرها وإجبارهم على ترك عقيدتهم الدينية وطقوسهم التي
كان قد أرساها مار توما الرسول. فالمبشرون الكاثوليك، وبدعم فعال من
الدول الاستعمارية المذكورة تركوا شواهد وممارسات موثّقة عن مقدار
القسوة والسادية المستخدمة ضد المؤمنين المستهدفين.
الفترة الثانية:
تزامنت مع ظهور الاستعمار الحديث بعد بروز دول اوربية قوية أزاحت
مجموعة الاستعمار القديم من الساحة الدولية، وحلت محلها بالقوة المسلحة
لاسيما بعد أن أظهرت إنكلترا وفرنسا قدرتهما البحرية وتفوقهما على
الدول البحرية التقليدية. ولكن إذا كانت هوية الدول الاستعمارية في
المرحلة الجديدة قد تغيرت فإن الاساليب المعتمدة في إرساء قاعدة
الاستعمار، والسيطرة على شعوب العالم الثالث لم تتغيير، فظل التبشير
والاستعمار وجهان لعملة واحدة. إلا أن الفرق كان يكمن في ذلك التطور
النوعي في طريقة وأسلوب العمل حيث اتسم خلال فترة الاستعمار الحديث
بالكثير من التنظيم والتركيز والتنسيق بين العمل السياسي والعسكري
والدبلوماسي وبين الجهد البشري. لذا فإن روما في الواقع سايرت الدول
الأوربية التي أخذت زمام السيطرة العسكرية والسياسية. وكما تطورت
الأساليب المستخدمة من قبل الدول الاوربية الحديثة في استعمار القارات
الفقيرة كذلك تطورت أساليب عمل مبّشري كنيسة روما. فقد اعتمدت نموذجاً
متطوراً بعد سنة 1622م حيث تركت شواهد جهدها وسط الكنائس المسيحية
ومنها الناطقة بالسريانية وتكللت محاولاتها العديدة بخلق كيانات موالية
لها بديلة لتلك التي فشلت في إدامتها خلال فترة الاستعمار القديم.
نقل
من كتاب صفحات مطوية من تاريخ الكنيسة الكلدانية - د. هرمز
أبونا
صفحة 5 – حاشية 5
|