لما قترس (؟)
سورين اجتمع الاباء كلهم على الرضا به وكان مطرانا على
جنديسابور واساموه يوم الاحد السادس من سابوع السليحين واستخلص
ما رهنه سورين من الات البيع فيما اعطاه لابان واعاد اسيام من
اسامه. وشرط عليه الاباء شروطا. وقع الوفاء منه بجميعها ثم خلط
بعد ذلك في بالتدبير وصار اذا بلغه ان اسقفا من الاساقفة يعاون
سورين او يذكره يقترسه ولا يعاتبه ويسم غيره الى مكانه فحصل في
كرسي اسقفين ووقع نزاع بين الرعايا وصارت البيعة ضحكا
للمخالفين تنغصت حياة يعقوب ولم يمكنه ان يتلافى ما صنع لكبر
سنه وسٌيل بالصلح عن سورين ففعل واسامه على البصرة وهو مضمر
لعداوة يعقوب يتوقع فرصة. وكان ربما خاطبه بعض اهل البصرة
بالجثلقة فيزيد طمعه ولما تقلد المنصور الخلافة قصد سورين
سرجيس طبيب النصر صاحب الجيش فتكلم عند المنصور على يعقوب
فطالبه المنصور على حجر حتى اداه ذلك الى تشتته عن كرسيه واعتل
المنصور علة عظيمة واحضر اليه جيورجيس الجنديسابوري فانتفع
واسنى جوائزه واقام ببغداد سنتين واعتل واستاذن بعد ان خلف
تلميذه عيسى عنده. وكان ماهرا فامتحنه المنصور فوجده كما ينبغي
فطالب المنصور بزيادة في الخراج ورد ما يتعلق بروساء البيع الى
عيسى وكان شماسا. وحضره يعقوب ومعه ستة وثلثون اسقفا ولم يفكر
بهم وكان يعطيهم يده حتى يقبلونها فلما تكرر هذا خوفه شليمون
اسقف الحديثة بالله وقال انه شماس ويصنع هذا بالاباء فزيره
وتوعده بالمكروه فقال له شليمون يا يهوذا الثاني سترى ما يلحقك
فانهوا حالهم الى ابن الطباخ الكشكري صاحب بيت المال. وسأل
المنصور عما بين النصارى واعلمه ان يعقوب وسورين متجاذبان
الرياسة فامر بحبسهما فحبس يعقوب وهرب سورين وسلط المنصور عيسى
بن شهلافا على اهل ملته واطلق يده فحمله جهله حتى انه كاتب
الاساقفة بحمل البرك اليه وان يقطعوا كاروزة يعقوب وازال جماعة
من كراسيهم بمخالفتهم له والباقون يحملون اليه ولا يخاف الله
جل اسسمه. وابسطت ايدي العمال على النصارى وفارق بعضهم دينه.
وطالب ابرهيم ابن يحي عامل الحديثة اهلها بكل ظلم وقلق مار
سليمون الاسقف لذلك وعزم على التظلم منه فقبض عليه خوفا من
شكايته وضربه اثنين واربعين سوطا وحلق رأسه ولحيته وندم على ما
فعله وصالحه وازال ما طالب به اهل الحديثة. وكان شليمون حرم
بعض اهل الحديثة لاسباب اوجبت ذلك ومضوا الى عيسى بن شهلافا
وذكروا عنه العظايم وادعوا ام مروان بن محمد لما هرب من يدي
السفاح خلف امواله في معسكره على الزاب وان الاسقف اخذ حملين
دنانير. وانهى ذلك الى المنصور عيسى واغراه واحضر الاسقف وساله
فانكر وقال ان المسيح امر ان لا نقتني ذهبا ولا فضة ولا اواني
فلماذا اعمل بالمال فلم يصدقه فضرب بالسياط بعمر مار شمعون
بالسن بتوصل عيسى بن شهلافا المتطبب وحمد الله على ما لحقه.
ولما اجتمع المنصور عند اجتيازه بعمر باحالا تعجب من حسن صبرهم
واستحسن تدبيرهم ورفع عنهم الخراج وامر بمعاونتهم لضعفهم لانهم
يضيفون المجتازين من المسلمين فاجنمع الى منصور الرؤساء
والاساقفة يسألونه في امر يعقوب واطلاقه واغاظه اذ رأى فيهم
شليمون اسقف الحديثة فامر باعتقاله وفطركي اليعقوبية والملكية
وبقي شليمون محبوسا ثم امر باطلاقه واخراجه وان يقيم في عمر
باحالا واقام ثلث سنين ولما سأل ابرهيم المتطبب فيهم امر
المنصور بردهم يعني الاساقفة الى كراسيهم وعاد شليمون الى
كرسيه ثم قصد عمر ابّا هارون ببلد فاقام سبع سنين ومات ودفن
فيه ونقل من بعد الى عمر ربن افنيمران وانكشف للمنصور كون
سورين في باب يعقوب وانهى الاباء اليه ذلك فافرج عنه. وكتب
عيسى الى قوفريانا مطران نصيبين امره بالمصير الي وحمل البرك
والات البيع ويقول في كتابه ان نفس الخليفة في يدي ان آثرت
ابرأته وان آثرت اعلته فحمل الكتاب مع جماعة عن الاباء وتظلم
الى المنصور فوقفه على الكتاب فاستحضره وانكر عليه فجحد الكتاب
وثبت عليه بالشهادة العادلة. فقال فوضت اليك امر القوم لتصلحها
او لتصادرهم ونفاه لزوجته الى الهند وكوتب جيورجيس الطبيب
بالحضور ولعلته انفذ رجلا يقال له ابرهيم خائفا لله وانصلح امر
الاساقفة على يديه فقال له المنصور اليس يقال ان الاساقفة
يسمع الله صلواتهم فلم لا يسألون الله قتل عيسى فقال ان
بدعائهم قد نفى ولا يعرف له خبر. ومال المنصور الى قوفريانوس
المطران فاحسن الى الرهبان وروساء البيع. ومدة جثلقة يعقوب سبع
عشر سنة وخمسة اشهر بقي منها محبوسا تسع سنين ومات. ولما
السفاح كاتب المنصور الى قوفريانوس المطران الى مدينة السفاح
بقرب الانبار وجمع الاموال وانتقل الى الحيرة وهزم جميع
الخوارج عليه ودخل بيت المقدس واخذ الباب الذهب الذي عمله
قسطنطين للكنيسة التي فيها قبر المسيح الى بيت ماله وفي السنة
التاسعة من خلافته بنى مدينة السلام واخذ اموال البصرة وافقرهم
وقتل معن بن زايدة. وزلزلت طبرية وسقطت على اهلها ليلا ومات
منهم خلق كثير وظهر باذربيجان برق عظيم احرق خلق من الناس
والبهايم. ومات المنصور في طريق الحج في سنة سبع وخمسين وماية
وعمره ثمنية وخمسين سنة وخلافته اثنان وعشرون سنة. وعقد الامر
بعده للمهدي واحسن السيرة وترك خراج سنة على الناس ورد ضياعهم
عليهم وعاملهم في اموالهم بخلاف سيرة ابيه. ومن ظريف الاتفاقات
ان طبيبا دكانه من قصر المهدي قريب اخرج اليه يوما قارورة فلما
شاهدها قال هذه قارورة امراة حامل بولد ذكر فعادت الجارية الى
الخيزران واعلمتها فانفذت اليه الفي درهم ووعدته بالجميل وخاف
عيسى المتطبب الا يتم الامر فاستعان بالشهدا والقديسين
فاجابوه وولدت ذكرا سمته موسى فوصله المهدي وقربه واستطبه
وعظمت منزلته ووصلته الخيزران وكل انسان احب التقرب اليها.
(احوال النصارى في خلافة العباسيين
–
اما يعقوب الذي ظل جاثليقا من 753 الى 773، فقد كان عجوزا بلا
حول ولا قوة، وقبل، على ما روى الاخباري صليبا، كل الشروط التي
فرضها عليه، عند انتخابه، المطارنة وحتى رجال رعيته النافذون،
في أغلب الظن. انها المرة الاولى التي نلتقي فيها، في ظل
العباسيين، بالعلمانيين النصارى الذين كثيرا ما سيطروا على
الجثلقة ايام الساسانيين، وصنعوا تاريخ النصارى في الخلافة
العباسية أسوة بالجثالقة. |